باحثون يؤكدون في الرباط: لا مستقبل للتعليم دون قيم

في مشهد علمي وطني مميز، احتضنت كلية الآدابوالعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس بالرباط،يومالأربعاء 21 ماي 2025، ندوة علمية وطنية وازنة تحتعنوان: دور المؤسسات العلمية والتربوية فيبناء القيم السنية الوطنية: الجامعة والزاويةأنموذجًا، نظمت بشراكة علمية وتربوية رفيعةالمستوى بين ماستر العلوم الشرعية والبناءالحضاري، ومؤسسة محمد بصير للأبحاثوالدراسات والإعلام، والزاوية البصيرية الشريفة.
وقد انطلقت أشغال الندوة بتلاوة آيات مباركة منالذكر الحكيم تلاها الباحث القارئ عبد الإله بصير، ثم عزف النشيد الوطني في لحظة مفعمة بالاعتزازوالانتماء. بعدها افتتحت الجلسة الافتتاحية بكلمات تمثيلية عن الهيئات المنظمة، عبّرت عن عمقالمشروع الذي يجمع بين الجامعة المغربية ومؤسساتالتربية الروحية الأصيلة.
في مستهل الجلسة الافتتاحية، ألقى الدكتور عبدالرزاق الجاي، منسق ماستر العلوم الشرعية والبناءالحضاري، كلمة وازنة استعرض فيها الأفق العامللندوة، مؤكدًا أن علوّ شأن الأوطان لا يتحقق إلابصيانة منظومة القيم وترسيخها داخل مؤسساتالتنشئة، على رأسها الجامعة المغربية، باعتبارهامنارة للعلم ومصنعًا للقيادات. كما اعتبر أن تعزيزالشراكة مع الزوايا المغربية خطوة نوعية نحو استثمارالجذور الروحية والثقافية في تأطير الأجيال. منوها بعلاقة التعاون العلمي والتربوي بين الماستر ومؤسسة محمد بصير للدراسات والأبحاث والإعلام.
ثم تناول الكلمة الشيخ مولاي إسماعيل بصير، خادمالطريقة البصيرية، الذي عبّر عن بالغ اعتزازه بهذه الشراكة العلمية الفريدة، مؤكداً أن اللقاء بين الجامعةوالزاوية هو لقاء رسالي، يجمع بين العلم والقيم، بين العقلوالنورانية، في خدمة الوطن والدين. وشدّد على أن الزاويةالمغربية كانت دومًا مؤسسة للتربية والتزكية، ولهاإسهامها التاريخي في الحفاظ على الهوية المغربية وفيتأصيل قيم المواطنة والطاعة الشرعية والوسطية.
بدوره، نوه الدكتور محمد قجوي، رئيس بنية تكوينالدكتوراهالدراسات الإسلامية وقضايا المجتمعالمعاصر“، بالأهمية الكبرى لموضوع القيم في زمنتتعرض فيه الهوية الوطنية والدينية لرياح التبخيسوالتغريب، مشيراً إلى ضرورة ترسيخ هذه القيم فيالمناهج والمؤسسات، ومثمناً مجهود ماستر العلوم الشرعيةفي تبني هذه المقاربات المتجددة.
أما الدكتور أحمد البوكيلي، رئيس شعبة الدراسات الإسلامية، فقد تميزت كلمته بلمسة فكرية وأكاديمية مميزة حيث دعا إلى مزيد من الانفتاح بين الفضاء الجامعي والفضاء الروحي، معتبراً أن الزوايا جزء من الإرث المغربي الذي يجب توظيفه بذكاء في صياغة منظومة قيمية وطنية قادرة على مواجهة تحديات العصر، ومؤكداً أن التصوف المغربي الأصيل القائم على الطريقة الجنيدية كان دائمًا منسجمًا مع العقلانية والتنوير الإسلامي.
وقد اختُتمت الجلسة الافتتاحية بكلمات طبعتها روحالاعتراف بقيمة التكامل بين المؤسسات، وبنَفَس وطني عميق يدعو إلى تمتين جسور التعاون بين الجامعةوالزوايا والمؤسسات القيمية، في أفق بناء مشروع قيميوطني أصيل، جامع، ومستقبلي.
وتمثل هذه الندوة نموذجًا حيًّا لهذا التلاقي المؤسسي، حيث التقت الخبرة الأكاديمية بالموروث الصوفي التربوي،في سبيل صناعة الوعي القيمي لدى الأجيال، تحتالقيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادسنصره الله، الضامن لوحدة الأمة وثوابتها.

في الجلسة العلمية الأولى، قدّم الدكتور سعيد هلاويمداخلة وازنة حول الجامعة بوصفها مؤسسة نموذجية فيترسيخ القيم، مؤكداً أن دور الجامعة يتجاوز التعليم نحوالتكوين القيمي للمواطن، مشيرًا إلى الحاجة الماسة إلىتجديد العلاقة بين الجامعة والزوايا في إطار من التعاونوالتكامل.

كما تناول الدكتور عبد المغيث بصير بالدراسةوالتحليل الدور التاريخي للزاوية البصيرية في نشر القيموالأخلاق، مستعرضاً مساهماتها في بناء الإنسانالمغربي المؤمن بوطنه، والمتمسك بثوابته الدينية. أماالدكتور محمد نصيحي فقد قدم مداخلة متميزةبعنوانمظاهر التكامل بين الجامعة والزوايا“، دعا فيهاإلى بناء شراكات علمية وروحية تحفظ الهوية وتعززالانتماء.

وفي سياق الجلسة العلمية ذاتها، قدّم الأستاذ حسن الطويل، الباحث في سلك الدكتوراه، مداخلته الموسومة بـ”المؤسسات العلمية التربوية ودورها في بناء القيم”، تناول من خلالها إشكالية تراجع المنظومة القيمية في المجتمع المعاصر، محذرًا من انعكاساتها السلبية على التماسك الاجتماعي والسلوك العام. واعتبر أن أزمة القيم الراهنة هي في عمقها أزمة تربية، تستدعي إعادة الاعتبار للمؤسسات التعليمية والتربوية بصفتها الحاضنة الطبيعية لبناء الوعي الأخلاقي والوطني. كما شدّد على أهمية التكامل بين المؤسسات الحديثة والتقليدية، ولا سيما الزوايا، لما لها من رصيد روحي وتربوي أصيل، داعيًا إلى مراجعة السياسات التربوية بما يجعل من سؤال القيم مدخلًا لكل إصلاح تنموي ومجتمعي.وتواصلت أشغال الندوة بجلسة علمية ثانيةخُصصت لقراءة تربوية صوفية في أطروحة معالم التربية السلوكية في تجربة العلامة الشيخ محمد المصطفى ماء العينينقدّمها الدكتورعبد الهادي السبيوي ، حيث بسط معالم التصوفالسني كمدرسة للقيم السلوكية والروحية المؤسسة علىالتزكية والتدرج، مبرزًا كيف أن هذه التربية تسهم فيبناء الإنسان القيمي الواعي.

كما شهدت الجلسة ذاتها مداخلتين نوعيتين لكل منالدكتورة النجاة ماء العينين، التي تناولت مفاهيمالأخوة والسمو الروحي في التجربة التربوية الصوفية، والدكتور سعيد هلاوي الذي قارن بين هذا النموذجالصوفي ومدارس التصوف الكبرى في التراث الإسلامي.

الجلسة الختامية كانت بامتياز لحظة تأمل في مسار رجلمن رجال القيم والوطن، المقاوم محمد بصير، من خلالعرض وثائقي توثيقي شيق بعنوان محمد بصيرالقصة الحقيقية، سلط الضوء على شخصيتهالنضالية وتكوينه العلمي وانخراطه في مشروع وطنيقيمي مقاوم.

وقد تخللت الندوة لحظات تكريم وعرفان، تم خلالها توزيع الشهادات والدروع، بعدها تمت قراءة برقية ولاء وإخلاص مرفوعة إلى السدة العالية بالله، صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله،واختمت أشغال اللقاء العلمي بالدعاء الصالح لأميرالمؤمنين، في أجواء امتزج فيها العلم بالوفاء، والتاريخ بالروح، والوطنية بالإيمان.

اترك رد