تاريخ المملكة المغربية: امتداد واستمداد موضوع ملتقى علمي نظّمه ماستر العلوم الشرعية والبناء الحضاري

تقرير: حسن الطويل

انطلقت فعاليات الملتقى العلمي الثاني لإحياء ذكرى مؤسس الدولة المرابطية (عبدالله بن ياسين) المنظمة من طرف ماستر العلوم الشرعية والبناء الحضاري لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط يوم الأحد 24 ذو القعدة 1445 هـ الموافق لـ 02 يونيو 2024، بتنظيم رحلة علمية إلى ضريح مؤسس الدولة المرابطية الذي يقع بربوة ببلدة كريفلة في قبيلة زعير، على بعد 50 كلم من مدينة الرباط،حيث كانت مناسبة قيمة للطلبة الباحثين  لاستكشاف تاريخ المملكة الغني وتراثها الثقافي الزاخر، واستلهام الذكريات والقيم التي أسهمت في بناء الأمة المغربية. انطلاقا من المعلومات الغزيرة التي قدمها فريق تأطير الرحلة للمشاركين.

مباشرة بعد زيارة ضريح مؤسس الدولة المرابطية، انتقل المشاركون إلى فضاء البركة بمدينة الرماني إقليم الخميسات المجاورة لموقع الضريح، من أجل متابعات أشغال الجلسات العلمية للملتقى.

وفي أجواء علمية مهيبة، التألم الأكاديميون والطلبة الباحثين، بحضور أعيان المنطقة والسيد باشا دائرة الرمانيوقائد الدرك الملكي وعدد من رجال السلطة بالمنطقة، انطلقت أشغال الجلسات العلمية بتلاوة عطرة من الذكر الحكيم، وأداء حماسي للنشيد الوطني، بعدها تفضل السيد المنسق البيداغوجي لماستر العلوم الشرعية والبناء الحضاري بكلية الآداب والعوم الإنسانية بالرباط فضيلة الدكتور عبد الرزاق الجاي، بكلمة افتتاحية رحب فيها بالمشاركين ،معبرا عن سعادته الغامرة بإحياء ذكرى علم من الأعلام المغاربة، الذي يعد أنموذجا للتضحيات في سبيل رفعة الوطن، نستلهم منه الدروس والعبر، والبطولات التي سقت أراضي المملكة عبر التاريخ، بالدماء الزكية والأرواح الطيبة، مدافعة عن الثوابت و المقدسات، لتربي فينا الانتماء القوي والمتين للبلد والوطن.

وقد اعتبر فضيلة الدكتور عبد الرزاق الجاي، الملتقى الثاني لإحياء ذكرى مؤسس الدولة المرابطية من الوقفات التاريخية التي تدعونا للرجوع إلى الذات والافتخار بالانتماء لهذا الوطن الشريف، معتبرا أن من لا تاريخ له لا حاضر ولا مستقبل له، داعيا الطلبة الباحثين في العلوم الشرعية إلى ضرورة الانفتاح على الثقافات الأخرى والتعرف على علوم التاريخ والجغرافية والنفس والاجتماع، لقراءة تاريخ المملكة قراءة شاملة عميقة تعمق المعارف وتزيد من الافتخار بأمجاد هذا الوطن العزيز.

 من جهته رحب السيد منسق اللجنة التنظيمية للملتقى الدكتور سعيد هلاوي بالمشاركين مؤكدا أن التاريخ هو الوعاء الذي يحتضن المشاريع العلمية، داعيا الطلبة الباحثين إلى الفهم العميق للتاريخ والحضارة، واستلهام القيم والدروس والعبر التي تحملها زيارة الضريح، وما يحمله ظلال المكان ودلالاته من تخيلات وتمثلات للأنشطة الحضارية التي قامت بها شخصية عبد الله بن ياسين.

وفي ختام فقرات الجلسة الافتتاحية للملتقى الثاني لإحياء ذكرى مؤسس الدولة المرابطية، أشار السيد رئيس المجلس العلمي المحلي للخميسات فضيلة الأستاذ لحسن أكشاش، إلى الدور الكبير لشخصية عبدالله بن ياسين في نشر الوسطية والاعتدال، والسير وفق الثوابت الدينية والوطنية للمملكة المغربية، المتمثلة في العقيدة الأشعرية، والمذهب المالكي والتصوف السني وإمارة المؤمنين، الضامنة لاستمرار هذه الثوابت، والحفاظ عليها والسير على نهجها، مخبرا المشاركين في الملتقى بعزم المجلس  العلمي المحلي تنظيم لقاء علمي جهوي حول شخصية عبد الله بن ياسين تحت إشراف المجلس العلمي الجهوي خلال شهر شتنبر المقبل.

وخلال الجلسة العلمية الأولى التي عرفت تقديم مداخلات علمية رصينة ماتعة، من طرف مؤرخين وأكاديميين متخصصين بارزين، استهلت بمداخلة المؤرخ والأستاذ الجامعي بجامعة محمد الخامس الدكتور مولاي الحسن حافظي علوي الذي عبر عن سعادته الكبيرة بالمشاركة في هذا الملتقى مبرزا في معرض مداخلته الإرث المشرق المتعلق بشخصية عبد الله بن ياسين، بالإشارة إلى دلالات الانتماء والأبعاد التاريخية للمكان الذي اختاره مؤسس الدولة المرابطية في مساره العلمي والدعوي،وأدوار ذلك في فهم الذهنيات .كما تضمنت مداخلة المؤرخ مولاي الحسن  استعراض تاريخي لشخصيات كان لها الأثر في المسار العلمي والمذهبي لشخصية عبد الله بن ياسين أبرزها شخصية بوجاج بن زلّووعلاقة هذا الأخير بأبي عمران الفاسي  والرغبة في التمكن من تعاليم المذهب المالكي .مشيرا للإرهاصات التاريخية الإفريقية التي أسست لبروز شخصية عبد الله بن ياسين بعد وفاة يحيى بن عمروتنقلات المرابطين وتأسيسهم للرباطات، إلى أن وصوا لمنطقة تامسنا لمواجهة البورغواطيين،حيث أفضت هذه المواجهة إلى مقتل عبد الله بن ياسين (مول الكارة ) يوم الأحد 24 جمادي الأولى 451 هـ  موافق 08 يوليوز 059سنة 451 هـ.

المداخلة العلمية للمؤرخ المغربي مولاي الحسن أشارت أيضا، إلى البعد العالمي للشخصية المرابطية التي يخلد ماسترالعلوم الشرعية والبناء الحضاري ذكراها في هذا الملتقى، من خلال علاقة المدرسة المغربية بالمدرسة المشرقية، ومجهودات أهل السنة في العالم الإسلامي بمن فيهم المغاربة، إبان ذلك، في مواجهة المد الشيعي والتوجه نحو المالكية، مبرزة جهود المرابطين في نشر وإشاعة هذا الإنجاز في الشمال والجنوب من الأندلس إلى السودان، مما يعزز الوحدة المذهبية للمغاربة والبعد العالمي لرسالة ((تمغريبيت)).

المداخلة العلمية الثانية قدمها المؤرخ والمفكر المغربي الدكتور امحمد جبرون الذي صنف مشروع عبد الله بن ياسين ودعوة المرابطين ضمن حركة إصلاحية تعدت حدود القطر الجغرافي الإقليمي، كأول حركة إصلاحية مغاربية في تلك المرحلة، انطلقت ثقافيا من رسالة بن أبي زيد القيرواني التي تجيب عن السؤال الفقهي لمجموعة من المغاربة المتعلق بتعصب القبائل وسفك الدماء في تلك المرحلة، منطلقا في مداخلته من مجموعة من الأسئلة أهمها: ماهية النازلة المستفسر عنها؟ والطلبة الذين استفسروا بن أبي زيد القيرواني والجهة التي ينتمون إليها؟  وكذا آثار جوابه وعلاقته بما حصل في المغرب من سرعة انتشار الحركة المرابطية؟ وفي معرض جوابه أشار الدكتور امحمد جبرون للخلايا الفقهية المالكية بسبتة وسجلماسةوأدوارها في تسهيل مأمورية المرابطين، للتصدي للمد الشيعي والتحول نحو السنية والمالكية، مبرزا أهمية الرسالة القيروانية في التسنن واعتبارها دليلا عمليا في تحقيق ذلك. مبرزا للطلبة الباحثين أن الحركة المرابطية جزء من صحوة إصلاحية مالكية انطلقت في منتصف القرن الرابع الهجري وأثمرت في بداية القرن الخامس الهجري، مبينا ذلك بشواهد تاريخية أهمها النص التاريخي لابن أبي زرع سنة 447هـ وقد خلص المتحدث الأكاديمي في نهاية مداخلته إلى أن استنتاج مفاده أن الحركة المرابطية من الناحية العسكرية ما هي إلا ترجمة لإرادة مذهبية مبنية على عمل ثقافي وفقهي كبير من طرف ثلة من فقهاء المالكية، معتبرا أن هذا الاستنتاج يدرج الحركة المرابطية وشخصية عبد الله بن ياسين ضمن حركة إصلاحية مغاربية تتجاوز حدود المغرب إلى حدود أوسع، تمتد جغرافيا إلى موريتانيا ودعويا إلى المشرق. مؤكدا أن الدولة المرابطية وفرت للمغرب مظلة سياسية سنية مالكية بعد التمزق السياسي الذي عان منه المغاربة لمدة تزيد عن ثلاثة قرون.

داعيا في الختام الطلبة الباحثين إلى الالتفات نحو الدور المحوري لابن أبي زيد القيرواني وتلامذته في التأسيس والتمهيد لنجاح الحركة المرابطية.

أما مداخلة الدكتور الوافي نوحي الباحث بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، فقد ركزت على قراءة تأملية في بعض المفردات المرتبطة بالمرحلة التاريخية لشخصية عبد الله بن ياسين، وقد سماها الأكاديمي   د الوافي: بحفريات لغوية قد تفيد الباحث، وقد تقدم بتناولها بنوع من التسلسل التاريخي الكرنولوجي، من بينها: القيروان، كدالة، وكاد، مبرزا دلالاتها اللغوية بالعربية والأمازيغية ومدى علاقة المشهد اللغوي بالبعد التاريخي.

واختتمت الجلسة العلمية الأولى بمداخلة للدكتور محمد نحوا التي تضمنت إشارات مستوحاة من ندوة احتضنتها مدينة الخميسات حول شخصية عبد الله بن ياسين يوم 14 دجنبر 1997، منطلقا من كلمة للدكتور إبراهيم حركاتالذي قدم لكتيب الندوة، حيث قال: ((ولقد كان عبدالله بن ياسين الجزولي من هذه الفئة التي وضعت خطوط الوحدة المزدوجة: الدين الإسلامي والمذهب المالكي والمجتمع المتكامل الذي تضبط شؤونه دولة واحدة))

منتقلا إلى إشارة أخرى لابن خلدون المتحدث عن ((النزعة الدينية وكيف أنها تزيد الدولة في أصلها قوة على قوة العصبية))مبرزا أهمية الدين في استيعاب العصبية وتحقيق الأمة الواحدة.

كما أشار الدكتور محمد نحوا إلىمبدأ الإخلاص للفكرة الذي ميز شخصية عبد الله بن ياسين، الرجل الذي دوخ العالم بجهد بسيط، جاب الصحراء وانتقل للأندلس لسبع سنين طالبا العلم وعاد ليحمل أعباء الدعوة المرابطية ليدفن بهذه المناطق. مبينا قيمة الإخلاص في نجاح أي مشروع تغييري في المجتمع.

وبهدف تمكين الطلبة الباحثين بماستر العلوم الشرعية والبناء الحضاري من تعزيز قدراتهم ومهاراتهم في البحث التاريخي والتحليل الثقافي، واستلهام القيم من شخصية عبدالله بن ياسين، انطلقت بعد استراحة قصيرة أشغال الجلسة العلمية الثانية التي تضمنت مداخلات الطلبة الباحثين، حيث ركزت الطالبة الباحثة نادية بوعني على السياق التاريخي للمرابطين خاصة السياق السياسي والسياق الديني المذهبي مشيرة إلى مختلف الإمارات السياسية والفرق الدينية التي كان لها الأثر في إحداث تفاعلات عقدية ومذهبية وثقافية أسهمت في تأجيل الوحدة الدينية للمجتمع المغربي قبيل تمكن المرابطين من التصدي للمد الشيعي وتوحيد البلاد على أساس المذهب المالكي.

من جهة أخرى تناول الطالب الباحث أسعد أورير مركزية شخصية عبدالله بن ياسين في تأسيس الدولة المرابطية حيث قدم سردا تاريخيا لأبرز المحطات التربوية والعلمية والجهادية في حياة مؤسس الدولة المرابطية إلى أن استشهد في حرب بورغواطة سنة 451 هـ، مبرزا زعامة المؤسس للحركة الإصلاحية المرابطية وتخليده لصفحات مشرقة في تاريخ الإسلام.

أما الطالبة الباحثة براءة على الوزاني فقد ركزت في مداخلتها على الفقهاء في الدولة المرابطية وأدوارهم الكبرى في المجالات: السياسية والقضائية والعلمية، مقدمة في ذلك لأسماء عديدة في كل مجال مع ذكر مفصل للمصنفات والمؤلفات التي قاموا بتأليفها، مستخلصة الدور الطلائعي للفقهاء خلال هذه المرحلة في التخطيط لسياسة الدولة والتأسيس والبناء في جميع مجالات الحياة.

واختتمت فقرات الجلسة العلمية الثانية بمداخلة الطالبة الباحثة فاطمة الزهراء أملوك الموسومة بالتراث الحضاري للمرابطين، ركزت من خلالها على المظاهر الحضارية العمرانية الأصيلة المتمثلة في البناء والفخار والزخارف والنقوش العربية أبرزها: جامع القرويين والمسجد الجامع بتلمسان، والتي تعكس المشاعر الحقيقية للمرابطين في حبهم وتعلقهم بالمساجد والجوامع ذات الطابع العربي الأصيل.

وهذا وتوجه المنسق البيداغوجي لماستر العلوم الشرعية والبناء الحضاري الدكتور عبد الرزاق الجاي، بكلمات الشكر لكافة المسْهمين في إنجاح الملتقى خاصة السلطات المحلية، مع تقديم شهادات التقدير لكافة الأساتذة المؤطرين وأعضاء اللجنة التنظيمية وشهادات الحضور للطلبة الباحثين، بعدها تمت تلاوة برقية ولاء وإخلاص مرفوعة إلى أمير المؤمنين باسم المشاركين في الندوة العلمية، والدعاء الصالح له بالنصر والتمكين ودوام الصحة والعافية.

اترك رد