جيل اليوم.. طفولة بلا مطر
بقلم: عمر المصادي
في زمن مضى، كانت الطفولة مرتبطة بالمطر، بالطين، بالركض في الحقول، وبألعاب بسيطة تصنعها يد الطفل من الطبيعة حوله، أما اليوم، فنحن أمام مشهد مختلف تماما، جيل ينشأ في بيئة جافة، ليس فقط من حيث المناخ، بل من حيث المعنى والروح أيضا، إنها طفولة بلا مطر، بكل ما تحمله العبارة من رمزية وواقع مؤلم.
لقد أصبح طفل اليوم ضحية لتغيرات متداخلة، أولها التغيرات المناخية، لم يعد المطر زائرا مألوفا كما كان في سنوات مضت، وتناقصت الأيام التي يمارس فيها الطفل متعة اللعب في الطبيعة، الجفاف والتقلبات الجوية وارتفاع درجات الحرارة كلها عوامل جعلت البيئة أقل احتضانا للطفولة.
إن طفل اليوم هو ضحية مباشرة لهذا الواقع البيئي المتدهور، الذي حرم الطفولة من جمالها الطبيعي ومتنفسها البريء.
إلى جانب ذلك، تسارعت التحولات التكنولوجية والإجتماعية، فوجد الطفل نفسه اليوم محاطا بالشاشات منذ السنوات الأولى من حياته، انحسرت علاقاته الإجتماعية في العالم الإفتراضي، وتراجعت قدرته على التفاعل مع محيطه الواقعي، لقد أصبح اللهو رقميا، واللعب وحيدا، والخيال موجها من تطبيقات إلكترونية، لا من الطبيعة التي طالما أطلقت العنان لعقول الصغار.
كل ذلك جعل من الطفولة تجربة متسرعة، فقيرة من حيث التفاعل الإنساني والمكاني، وهنا تكمن مسؤولية المربين والأولياء والمجتمع بأكمله.
لقد أصبح من الضروري إعادة التفكير في بيئة الطفولة، وتوفير فضاء حقيقي يسمح للطفل بالنمو المتوازن، في حضن الطبيعة والعلاقات الحية.
جيل اليوم يستحق أكثر من مجرد تعليم وتقنية، إنه بحاجة إلى سماء تمطر، وحديقة يستكشفها، وصديق يركض معه في المطر. فهل ننجح في إعادة المطر إلى طفولته، ولو بالمعنى الرمزي؟