حين يتحول صوت الحق إلى صدى مشروخ: صرخة من أجل مراجعة الذات
بقلم: سعيد عاتيق
لعل صاحب العقل والضمير لا يُصاب باليأس أو الجنون لمجرد تداعي أحوال الأمة أو فداحة الواقع، بقدر ما يتملّكه الأسى حين يرى بصيص الأمل يخبو من آخر المنافذ الممكنة للتغيير.
نعم، لن نستطرد الحديث عن مآسي التعليم والتشغيل والصحة والعدالة وحرية التعبير، ولن نفتح جراح أمة ارتضت لنفسها الانحدار والتهميش، فكل ذلك صار مملًّا حد التقزز،
لكن المؤلم حقًا، بل المزلزل للوجدان، أن يتحول صوت المعارض والممانع – الذي طالما كان منارة في العتمة – إلى بؤرة صراع وتخوين وتشظٍّ.
نعم، إننا نتحدث عن الجسم الحقوقي، عن صوت اليسار، وعن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، التي كانت دومًا نبراسًا وهاجًا وسط زمن الخوف والرصاص، وحاملةً لقضايا مستعصية لا يجرؤ كثيرون على الاقتراب منها.
غير أن المتتبع لمجريات المؤتمر الرابع عشر للجمعية لا بد أن يُصاب بالدوار: سيل من الاتهامات، تراشق بالكلمات، تلميحات بالتآمر والكولسة، وتخوين متبادل بين رفاق النضال أنفسهم!
ما الذي أصاب هذا الجسم النضالي؟
أي رسالة نوجهها للمجتمع حين يرى أكثر من يعوّل عليهم يتصارعون داخل خندق المفترض أنه واحد؟
أي أمل نتمسك به حين يتصدّع طوق النجاة الأخير؟
أين نذهب حين يتحول “الفقيه الحقوقي” الذي نترقّب بركته، إلى مسوّق لطلاسم لا تُفكّ شيفراتها إلا بمفاتيح الانقسام؟
هذه الأسئلة لا تأتي من باب التشهير أو التيئيس، بل من حرص شديد على ألا تُغتال مصداقية تاريخية بناها مناضلون دفعوا أعمارهم وأرواحهم ثمناً لها.
إن ما نحتاجه اليوم، وبإلحاح، هو مراجعة جماعية شجاعة ومسؤولة. مراجعة تنأى بالنضال عن الحسابات الضيقة والمزايدات الفارغة، وتعيد البوصلة إلى اتجاهها الطبيعي: الدفاع عن الإنسان وكرامته، لا تمزيق الصفوف باسم الشرعية أو التأويل.
فلنعد، قبل فوات الأوان، إلى جادة الصواب.
فلنستحضر التاريخ النضالي المجيد، ولنصن الذاكرة الجماعية من الانكسار والخذلان.
فما زال هناك من يؤمن، رغم الألم، أن الكلمة الحرة لا تموت، وأن الحق لا يصيبه العطب، ما دامت هناك قلوب صادقة، وعقول تميز بين النضال والتناحر.