رسالة إلى العم (زوكربيرچ).. رجاء احذف إشارة الإعجاب من الفيسبوك
بقلم: رشيد مصباح (فوزي)
”العُجْب“ بضم العين وسكون الجيم كما ورد في معاجم اللّغة العربيّة وقواميسها معناه: ”الزَّهْوُ والكِبْـرُ“. ورجلٌ مُعْجَبٌ: ”مَزْهُوٌّ بِمَا يكون منه حسنًا أَو قبيحًا“. وقيل: المعْجَبُ، ”الإِنسانُ المعْجَب بنفسه أَو بِالشَّيْءِ“. وقد أُعْجِبَ فلان بنفسه ”إذا ترفّع وتكبّر“. فهو مُعْجَبٌ برأْيه و بنفسه.
أما ”العِجِب“ بفتح العين والجيم معًا فمعناه: ”الأمر الذي يُتَعجَّب منه لِما ينكره“. وعنه قال آخر هو: ”النَّظَرُ إِلى شيءٍ غير مأْلوف ولا مُعتادٍ“.
وأمّا ”العَجْب“ بفتح العين وسكون العين: ”أصل الذنب ومُؤخَّرُ كل شيء“.
والعُجْب اصطلاحا هو عبارة عن ”تصوّر استحقاق الشخص رتبة لا يكون مستحقًّا لها“. كما عرّفه أحد النُّحاة.
وقال أبو حامد الغزالي – رحمه الله – : ”العُجْب: هو استعظام النّعمة والرّكون إليها، مع نسيان إضافتها إلى المنعم“.
وقد ورد عن بعض المشايخ: ”المعْجب يصدق نفسه فيما يظنُّ بها وهمًا. والتَّائه يصدقها قطعًا“. في الفرق بين العُجْب والتّيه.
العُجب في الإسلام مذموم، وعنه قال تعالى: ﴿وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مرحًا إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُور﴾.
وقد ذمُّه ونهى عنه رسول الله ﷺ فقال: ”لو لم تذنبوا، لخشيتُ عليكم ما هو أكبر منه: العُجْب“.
وقال عليٌّ – رضي الله عنه – : ”الإعجاب ضدُّ الصّواب، وآفة الألباب“.
قال (عُمرُ) – رضي الله عنه – : ”أخوف ما أخاف عليكم أن تهلكوا فيه ثلاث خلال: شحٌّ مطاع، وهوى متّبع وإعجاب المرء بنفسه“.
العُجب بالطاعة يجعل العبد يستعظم أعماله وطاعاته، فيمنُّ على الله
ويمنُّ على الناس بما يقدّمه.
قال تعالى: قال تعالى: ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾.
وعدّه ابن تيميّة رحمه الله من باب الإشراك بالنّفس فقال: ”وكثيرا ما يقرن الريّاء بالعُجب. فالرياء من باب الإشراك بالخلق، والعُجْب من باب الإشراك بالنّفس، وهذا حال المستكبر، فالمرائي لا يحقّق قوله تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾. والمُعجب بنفسه لا يُحقِّق قوله تعالى: ﴿وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾“ انتهـ.
وفي الحديث الصحيح: ”إنَّ اللهَ أوحى إليَّ أن تواضَعوا حتى لا يبغيَ أحدٌ على أحدٍ، ولا يفخرَ أحدٌ على أحدٍ“.
ومن خلال ما ورد يتبيّن أن العُجْب شيء مذموم. كما أنّه جاء مقرونا بالخذلان في الآية الكريمة (29) من سورة الإسراء. حيث قال المولى –عزّ وجل-:﴿وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ الله إِلَهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مذموما مَخْذُولاً﴾.
لكن الغريب هو ما نشاهده ويجري في الواقع وفي حياة النّاس و في ظلّ الغزو الفكري والثقافي الرّهيب، ووسائله ”الجهنّميّة“ الحديثة، والتي هي من بين الأشياء التي أثّرت فينا سلبا، في نمط تفكيرنا وأسلوب حياتنا ومعاشنا، بل وحتّى في نظرتنا لديننا ومفهومنا للإسلام. والفيسبوك والتويتر والانستغرام… وغيرها من الوسائط الاجتماعية هي من بين الوسائل التي تجسّد هذا الغزو الفكري والثقافي ”الحضاري“.
والأمّة الاسلامية، كغيرها من الأمم المحافظة والمستهدفة، هي الأخرى تعاني من هذا الغزو الرّهيب الذي يريد الغرب -على وجه الخصوص- أن يقتلع الدّين والأخلاق والقيّم الرّوحية والحميدة الجميلة و غيرها من المعاني الساميّة… من حياتها، ومن جذورها الأصلية. ويغرس مكانها قيّم ”حضارته“ الغربية القائمة على الفلسفة الماديّة.
فتحتُ الجهاز كما هي عادتي في كل صباح أستعدّ فيه ليوم كسائر الأيّام، يوم لا يختلف كثيرا عن غيره من الأيام المثخنة بالأخبار المؤلمة والجراح عن غزّة وفلسطين المجاهدة وأهلها المرابطين. وكان لا بد أن أغتنم ما تبقّى لي من الوقت استغلّه في تصفّح بعض ما نُشر في الفضاء الأزرق أو”الفيسبوك“ قبل دخول صلاة الفجر.
وما شجّعني على كتابة هذا النص المتواضع هو إشارة الإعجاب التي أصبحت عبارة عن أداة ”تملّق“ و”تغليط“؛ والتي لا تعبّر عن حقيقة، ولا تعكس القيمة الفعلية لما يتم نشره.
فقلتُ في نفسي: ”أتقدّم بطلب إلى العم (مارك زوكيربيرغ)، أترجّاه فيه بحذف أداة الإعجاب المزيّف. حتى يعرف كل واحد من هؤلاء المستخدمين، المعجبين بأنفسهم كثيرا، قيمة ما ينشرونه على صفحاتهم ”المزوّرة“.