في عدم قانونية المادة (09) من محضر 10 دجنبر 2023 الموقع بين وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة والنقابات التعليمية الأكثر تمثيلية

بقلم: قاسم علوش (.)

  • مدخل حول مبدأ المساواة أمام القانون

يعتبر مبدأ المساواة أمام القانون أحد المبادئ الدستورية العالمية. وقد نص الدستور المغربي 2011 على هذا المبدأ في الفصل السادس (6) منه بأن:””القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة. والجميع، أشخاصا ذاتيين أو اعتباريين، بما فيهم السلطات العمومية، متساوون أمامه، وملزمون بالامتثال له. وعلى هذا فإن الدولة وإداراتها المختلفة، كما عموم المواطنين، ملزمون بالامتثال إلى القانون باعتباره أسمى تعبير عن إرادة الأمة. كما يقتضي مفهوم دولة القانون والمؤسسات، المنصوص عليه دستوريا، الخضوع لسيادة القانون، وأن تكون تصرفات جميع القطاعات الحكومية في انسجام تام مع التشريعات والنصوص القانونية المنظمة للحياة الإدارية للهيئات والأفراد في احترام تام للتراتبية القانونية لتلك النصوص والتشريعات. وقد ساهم القضاء الإداري، بشكل فعال، في حماية المبادئ القانونية الجامعة، مثل: مبدأ المساواة أما القانون، ومبدأ تراتبية النصوص القانونية، ومبدأ عدم جواز الاتفاق على مخالفة القانون…وعمل على تطويرها من خلال أحكامه واجتهاداته القضائية التي نقض فيها كثيرا من القرارات الإدارية بعلة مخالفتها لتلك المبادئ القانونية الجامعة، وخاصة مبدأ المساواة أمام القانون،الذي يعد من المبادئ العامة للقانون، بحيث صدرت العديد من الأحكام القضائية عن المحاكمة الإدارية للمملكة التي نقضت كثيرا من القرارات الإدارية بسبب مخالفتها لمبدأ المساواة أمام القانون،وهو المبدأ الذي تم تطويره كثيرا من طرف القضاء الإداري مما جعل المشرع الدستوري يتبناه في جل الدساتير والتشريعات.

والوظيفة العمومية أحد المجالات المهمة التي تم التنصيص فيها على مبدأ المساواة أمام القانون من خلال التنصيص في الفصل 31 من الدستور علىأنه: “تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة في… ولوج الوظائف العمومية حسب الاستحقاق. كما أن القانون الأساسي للوظيفة العمومية الصادر بتاريخ 4 أبريل 1958 نص في مادته الأولى على أن: “لكل مغربي الحق في الوصول إلى الوظائف العمومية على وجه المساواة”. وإذا كان حق الوصول للوظيفة العمومية حق دستوري لكل مواطن مادام مستوفيا للشروط النظامية المنصوص عليها في القانون، فإن حق الترقية في الرتبة والدرجة وتغيير الإطار هو أيضا من الحقوق المكفولة للموظف العمومي وفق النصوص القانونية الجاري بها العمل ما توافرت في مستحقيها الشروط النظامية الضرورية. وهكذا فإن القانون الأساسي للوظيفة العمومية في الفصل 30 الذي تم تعديله وفق المادة الأولى من القانون رقم 05-50 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 10-11-1 بتاريخ 14 ربيع الأول 1432 (18 فبراير2011) نص على أن الموظف تتم ترقيته: … في الدرجة أو الإطار من درجة إلى درجة أو من إطار إلى إطار، بعد اجتياز امتحان الكفاءة المهنية وعن طريق الاختيار، حسب الاستحقاق، بعد التقييد في اللائحة السنوية للترقي”.

  • قطاع التربية الوطنية مؤطر بنصوص قانونية تصر الوازرة على خرقها.

إن قطاع التربية الوطنية من القطاعات المهمة والاستراتيجية في الدولة، وموظفوه كباقي موظفي مختلف القطاعات العمومية للدولة يخضعون لمجموعة من النصوص القانونية التشريعية والتنظيمية التي تنظم حياتهم المهنية توظيفا وترقية، كما يستفيدون من حق تغيير الإطار بحسب تكوينهم الأكاديمية والمعرفي وفق النصوص الجاري بها العمل.

وإذا كان قطاع التربية الوطنية يعيش وضعية حرجة، يصفها بعض المراقبين بأنها أزمة غير مسبوقة، نتيجة الإضراب الذي تخوضه الشغيلة التعليمية، تقوده مختلف النقابات التعليمية، والتنسيقيات الوطنية التي أصبح ينضوي تحتها معظم فئات الشغيلة التعليمية، منذ ما يناهز الشهرين، بسبب الأزمة التي تسبب فيها إصدار وزارة التربية والوطنية والتعليم الأولي والرياضة لمرسوم رقم 2.23.819 الصادر في 20 من ربيع الأول 1445 (6 أكتوبر 2023) في شأن النظام الأساسي الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية. المرسوم الذي رأت فيه معظم الفئات المنتمية لقطاع التربية الوطنية، إن لم نقل كلها، أنه مرسوما تراجعيا ومجحفا لموظفي القطاع وغير منصف لهم. وهكذا، وأمام استمرار إضراب الشغيلة التعليمية وتوقف الدراسة، شبه التام، بالمؤسسات التعليمية اضطرت الحكومة إلى الرضوخ والتحاور مع النقابات التعليمية الأربع الأكثر تمثيلية عوض التحاور مع التنسيقيات، وهي: الجامعة الوطنية للتعليم (UMT)، والنقابة الوطنية للتعليم (CDT)، الجامعة الحرة للتعليم (UGTM)، النقابة الوطنية للتعليم (FDT) والتوصل معها إلى توقيع محضر 10 دجنبر 2023 أعلنت من خلاله على مجموعة من الإجراءات ذات الكلفة المالية والتي  اعتبرته الحكومة والنقابات إنه إنجاز في ظل وضعية اقتصادية صعبة، في حين اعتبرته تنسيقيات الشغيلة التعليمية أنه لا يرقى إلى مستوى انتظاراتها من الوزارة.

إن محضر 10 دجنبر 2023، الموقع بين الحكومة والنقابات الأربع الأكثر تمثيلية، تضمن فيما تضمن من إجراءات ذات كلفة مالية، بندا نصت عليه الفقرة التاسعة (09) منه والتي جاء فيها: ” فتح، وبصفة انتقالية ولمدة محددة، إمكانية تغيير الإطار من إطار المستشارين في التوجيه التربوية والمستشارين في التخطيط التربوي والممونين المرتبين جميعهم في الدرجة الممتازة (خارج السلم) إلى هيئة التفتيش، وذلك وفق المقتضيات التي سيحددها النظام الأساسي”. وهي الفقرة التي أثارت حفيظة هيئة التفتيش بقطاع التربية والتكوين (هيئة التأطير والمراقبة) بمختلف فئاتها واعتبرت ما نصت عليه الفقرة (09) من المحضر بمثابة ضرب لمبدأ المساواة أمام القانون، كما أنهاتشكل خرقا للنصوص القانونية والتنظيمية المؤطرةلقطاع التربية والوطنية، وبخاصة المادة 38 من القانون الإطار رقم 17-51، التي تنص على أنه: “علاوة على الشروط النظامية المطلوبة لولوج مهن التدريس والتكوين والتأطير والتدبير والتفتيش بالقطاع العام يعد التكوين الأساسي شرطا لازما لولوج مهن التربية والتكوين.

إن المرسوم السابق رقم 2.02.854 الصادر في 8 ذي الحجة 1423 (10 فبراير 2003) بشأن النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية، كما وقع تغييره وتتميمه، نص في المواد 16 و22 و27 منه، على أن التعيين في منصب أستاذ التعليم الابتدائي، وأستاذ التعليم الثانوي الإعدادي، وأستاذ التعليم الثانوي التأهيلي، يكون بناء على الحصول على دبلوم أستاذ في السلك المعني والمحددة شروط تهييئه وتسليمه بموجب مرسوم أو شهادة معادلة له. كما أنه اعتبر أن اجتياز مباراة دخول مركز وتكوين المفتشين والحصول على دبلوم مفتش منه هو السبيل للتعيين في إطار مفتش، وهو ما تدل عليه المواد 5 و8 مكررة ثلاث مرات و11 و43 من المرسوم المذكور.

كما أن المرسوم الجديد رقم 2.23.819 صادر في 20 من ربيع الأول 1445 (6 أكتوبر 2023) في شأن النظام الأساسي الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية المجمد والمسحوب فيما بعد بمقتضى الاتفاقات الحاصلة لحد الآن بين الحكومة والنقابات الأربع الأكثر تمثيلية، نص بدوره في المواد 34 و35 و36 و37 و40 على نفس الشروط المتعلقة بولوج مهن التربية والتكوين وهي المباراة والحصول على دبلوم السلك المعني.

وبناء على ما سبق فإن الفقرة (09) من محضر 10 دجنبر 2023، والتي نصت على ” ” فتح، وبصفة انتقالية ولمدة محددة، إمكانية تغيير الإطار من إطار المستشارين في التوجيه التربوية والمستشارين في التخطيط التربوي والممونين المرتبين جميعه في الدرجة الممتازة (خارج السلم) إلى هيئة التفتيش، وذلك وفق المقتضيات التي سيحددها النظام الأساسي”. تعد فقرة غير قانونية، وتخرق مبدأ قانونيا وهو مساواة المواطنين أمام القانون وفي ولوج الوظيفة العمومية والارتقاء المهني والإداري داخلها،وقد عرضنا النصوص القانونية التي تنص على أن شرطي المباراة والحصول على دبلوم من أحد مراكز تكوين أطر هيأة التدريس والتأطير والمراقبة العاملين بقطاع التربية والتكوين هو السبيل الوحيد لتحقيق ذلك.

  • الفقرة 09 من محضر 10 دجنبر تكرس الريع وتضرب مبادئ المساواة والانصاف وتكافؤ الفرص وحكامة ومهننة مهن التربية والتكوين.

إذا كانت المادة الرابعة (04) من القانون الإطار 17-51 نصت على أن منظومة التربية والتكوين تستند على مجموعة من المبادئ والمرتكزات ومن بينها: “التقيد بمبادئ المساواة والإنصاف وتكافؤ الفرص في ولوج مختلف مكونات المنظومة وفي تقديم خدماتها لفائدة المتعلمين بمختلف أصنافهم“، وكذلك المادة (38) من الباب السادس المخصص للموارد البشرية من القانون نفسه التي نصت على أنه: “علاوة على الشروط النظامية المطلوبة لولوج مهن التدريس والتكوين والتأطير والتدبير والتفتيش بالقطاع العام يعد التكوين الأساس شرطا لازما لولوج مهن التربية والتكوين والبحث العلمي…” فإن الفقرة (09) من محضر 10 دجنبر الموقع بين الحكومة والنقابات التعليمية الأربع الأكثر تمثيلية التي تنص على منح إطار مفتش لفائدة ” المستشارين في التوجيه التربوية والمستشارين في التخطيط التربوي والممونين المرتبين جميعه في الدرجة الممتازة (خارج السلم)” دون ولوج مركز مفتشي التعليم، ودون الخضوع للتكوين الأساس أسوة بالمفتشين الممارسين الذين لم يستفيدوا من تغيير الإطار إلى بعد التخرج من مركز مفتشي التعليم والاستفادة من التكوين الأساس والحصول على دبلوم مفتش كما هو منصوص عليه في النصوص والتنظيمات الجاري بها العمل، تضرب مضمون هذين المادتين وغيرهما من المواد الأخرى في الصميم، وتكرس سياسة الريع  داخل الوظيفة العمومية عامة، وبقطاع التربية والتكوين بصفة خاصة، وهو ما يحتم على الحكومة التراجع عنها فيما يستقبل من الاتفاقات المزمع عقدها مع النقابات والتنسيقيات التعليمية، كما ينبغي لها عدم الانسياق وراء الدعوات التي قد تأتي من هاته الجهة أو تلك، والتي ترى نفسها مستفيدة من نص الفقرة 09 السالف ذكرها، والتي قد تطالبها بتضمينها كفقرة استثنائية ضمن المرسوم المتعلق بالنظام الأساسي المستقبلي لموظفي قطاع التربية والتكوين التي تعمل الحكومة على إعداده.

كما أن ما ذهبنا إليه يستمد وجاهته من التقرير رقم 3/2018 الصادر عن المجلس الأعلى للتربية والتكوين في شأن الارتقاء بمهن التربية والتكوين والبحث العلمي، وما جاء في الرافعة التاسعة من الرؤية الاستراتيجية 2015-2030 في شأن تأهيل مهن التربية والتكوين والتدبير والبحث، التي أوصت بإعادة تحديد المهام والأدوار والمواصفات المرتبطة بمهن التربية والتكوين والبحث والتدبير، وجعل التكوين الأساس إلزاميا ومُمَهْننا بحسب خصوصيات كل مهنة ونهج تكوين مستمر ومؤهل مدى الحياة المهنية، واعتماد تدبير ناجع للمسار المهني، قائم ع المواكبة والتقييم والترقية المهنية على أساس الاستحقاق.

إن خرق المبادئ القانونية، المتمثلة في مبدأ المساواة أمام القانون، ومبدأ الانصاف وتكافؤ الفرص في ولوج مختلف مكونات منظومة التربية والتكوين والترقي داخلها، وكذا مخالفة النصوص التشريعية والتنظيمية المؤطرة لمجال الوظيفة العمومية من قبل الحكومة ومختلف القطاعات الوزارية التابعة لها، لا يمكن تبريره تحت أي ظرف كان. وبالتالي فإن الضغط الواقع على الحكومة، نتيجة التوقف شبه التام للدارسة بالمدرسة العمومية على المستوى الوطني، بسبب استمرار إضرابات الشغيلة التعليمية، لا يجب أن يدفع الحكومة إلى الارتباك، وتغييب عقلها القانوني أثناء إعداد المراسيم أو عقد الاتفاقات مع ممثلي الشغيلة التعليمية بما يجعلها تتناقض مع النصوص القانونية والتشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل وخارقة لها، ومكرسة للريع عبر ممارساتها غير المسؤولة في ضرب واضح للدستور وكذا القوانين والنصوصوالمبادئ المؤطرة للعمل الحكومي.

كما أن هناك شيء آخر يمكن قوله بخصوص الفرقة 09 من محضر 10 دجنبر، وهو أنها على ما يبدو قد تم تفصيلها على المقاس لإرضاء فئات معينة ومحصورة داخل هيئة أو هيئات نقابية بعينها، مُغلِّبة بذلك مصالح فئوية جد محدودة على مصلحة باقي الشغيلة التعليمة، وإلا فإنه لماذا تم حصر المستفيدين من تغيير الإطار بالأقدمية على فئات (المستشارين في التوجيه التربوي والمستشارين في التخطيط التربوي والممونين المرتبين جميعهم في الدرجة الممتازة (خارج السلم) إلى هيئة التفتيش)؟ ولماذا يتم إقصاء فئات الأساتذة الذين يوجدون في نفس الوضعية (وضعية الدرجة الممتازة/خارج السلم)، من نفس الحق في تغيير إطار أستاذ الدرجة الممتازة إلى إطار مفتش الدرجة الممتازة؟ وهذا كله يظهر هذا وجاهة ما قلناه بشأن أن الفقرة تم تفصيلها على مقاس مخصوص لا أقل ولا أكثر، وهو ما يضرب مصداقية الفقرة 09 ومصداقية المحضر برمته؟

خاتمة:

إن خلاصة القول فيما قلناه بخصوص الفقرة 09 من محضر 10 دجنبر التي تقضي بمنح حق تغيير الإطار للفئات المذكورة فيها إلى إطار مفتش، هو أن ذلك يضرب في الصميم مبادئ المساواة أمام القانون بين المواطنين فيما يخص ولوج الوظيفة العمومية والترقي فيها، كما يضرب مبادئ المساواة والإنصاف وتكافؤ الفرص التي جعلها القانون الإطار رقم 17-51 من بين مرتكزات ومبادئ منظومة التربية والتكوين، ناهيك عن كونها مادة تضربشعار”مهننة” مهن التربية والتكوين التي كثيرا ما تم التنصيص عليهفي جميع مرجعيات إصلاح المنظومة التعليمية،هذا الشعار كان عبارة عن خلاصات عديد الدراسات التي أجراها المجلس الأعلى للتربية والتكوين وإحدى أهم توصياته لأجل ضمان حكامة وجودة المنظومة التربوية وذلك من خلال جعل التكوين الأساس هو السبيل الوحيد لولوج مهن التربية والتكوين.

 وهكذا فإنه يحق لنا أن نتساءل في الأخير، عن ما هو دور مركز تكوين مفتشي التعليم الموجود بالعاصمة الرباط إذا كانت الحكومة باستطاعتها منح إطار مفتش وقت ما شاءتكلما حزها أمر ما إلى هذه الفئة أو تلك؟

(.) باحث في السياسات التعليمة

اترك رد