كيف سيكون المجتمع لو ميز كل مواطن بين الحلال والحرام وكان السياسيون قدوة؟
بقلم: عمر المصادي
قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ (سورة الأعراف، الآية 96)
من أعظم النعم التي يتمتع بها الإنسان هي نعمة العقل والقدرة على التمييز بين الصواب والخطأ، بين الخير والشر، وبين الحلال والحرام، وإذا ارتقى وعي المجتمع حتى أصبح كل فرد فيه يحرص على التمييز بين الحلال والحرام، فإننا حينها نكون أمام مجتمع تسوده القيم، ويحكمه الضمير، وتسير فيه الحياة نحو صلاح شامل في جميع المجالات.
فما الذي يمكن أن يحدث لو أن كل مواطن جعل ميزان الحلال والحرام أساسا في سلوكه اليومي؟
أول ما سيتحقق هو نقاء التعاملات بين الناس، إذ سينتفي الغش، وتقل السرقة، وتحترم الحقوق، ويعم الأمان. سيحرص الناس على الكسب الطيب، وسيربون أبناءهم على الصدق والعدل والتسامح، حينها لن يكون الإلتزام بالأخلاق أمرا شكليا، بل ممارسة واقعية تنبع من قناعة داخلية وإيمان راسخ.
أما إذا اقترن هذا الوعي الشعبي بقيادة سياسية نزيهة، تتجلى فيها القدوة الحسنة، فإن النتيجة ستكون نهضة شاملة.
لأن السياسي، بطبيعته، يؤثر في الرأي العام، ويوجه السياسات التي تمس حياة الأفراد بشكل مباشر، فإذا كان السياسي صادقا، نزيها، يخاف الله في مسؤولياته، لا يخون الأمانة، ولا يستغل سلطته لمصالحه، فإن الثقة بين الشعب والسلطة ستبنى على أساس متين، وسيشعر المواطن أن دولته تحميه، لا تساوم عليه.
إن الجمع بين وعي المواطنين بما يرضي الله، ونزاهة السياسيين وقدوتهم، يخلق بيئة متكاملة للإصلاح، والتنمية، والتقدم.
لا يمكن للمجتمع أن ينهض بالقوانين وحدها، ولا بالخطاب الأخلاقي المجرد، بل لا بد من انسجام بين ما يقال وما يفعل، بين الفرد والمسؤول، بين القاعدة والقيادة.
وفي الأخير يجب التأكيد على أن إلتزام الأفراد بحدود الحلال والحرام، واقتداء السياسيين بالقيم والمبادئ، ليس مجرد مطلب أخلاقي أو ديني فحسب، بل هو في حقيقته أحد المفاتيح الأساسية لتحقيق الرخاء، وبناء مجتمعات مزدهرة، قوية، عادلة، ومستقرة، فهو طريق من طرق التنمية الحقيقية التي تبنى على النزاهة والعدالة والثقة المتبادلة بين الدولة والمواطن.