لماذا فشل حاملو الدكتوراة الفرنسية في تحقيق مطلبهم، وما هو مآل ملف الأقدمية العامة في الوظيفة العمومية؟

بقلم: عبدالحق غريب

عقد الأساتذة الباحثون المتضررون من عدم احتساب الأقدمية العامة في الوظيفة العمومية وقفة احتجاجية ناجحة أمام وزارة التعليم العالي يوم الأربعاء الماضي (17 يناير الجاري).

وفي سياق معركتهم النضالية المشروعة منذ حوالي 5 سنوات، والتي لم تتجاوز بضع وقفات محتشمة أمام الوزارة ، ارتأيت أن أتقاسم مع الزملاء والزميلات في هذه الفئة تجربة حاملي الدكتوراة الفرنسية الذين خاضوا أشكال نضالية متنوعة وغير مسبوقة في تاريخ الجامعة، ولم يحققوا مطلبهم إلى حدود اليوم، بعد أن كانوا قاب قوسين أو أدنى من تحقيقه في سنة 2007… مع الأخذ بعين الاعتبار، من طبيعة الحال، أن الحيف والسياقات وحيثيات ملف الفئتين تختلف.

ولأن المجال هنا لا يسمح للخوض في تفاصيل ملف الدكتوراة الفرنسية، الذي عمّر لمدة 38 سنة بالتمام والكمال (توظيف اول حامل الدكتوراة الفرنسية سنة 1986)، سأكتفي بالتعريف بالمشكل الذي يجهله العديد من الأساتذة الباحثين الجدد، وببعض المحطات النضالية :

بدأ مشكل الدكتوراة الفرنسية بعد استبدال النظام التعليمي الفرنسي من نظام دكتوراة الدولة إلى نظام الدكتوراة الموحدة/الدكتوراة الجديدة سنة 1984… بعد هذا التاريخ، فإن كل طالب مغربي يحصل في فرنسا على الدكتوراة الجديدة (الدكتوراة الفرنسية) ويلتحق بإحدى الجامعات المغربية، يتم توظيفه في إطار أستاذ مساعد (نظام 1975) أو أستاذ التعليم العالي مساعد (نظام 1997)، في حين أن حامل الدكتوراة من دولة أوروبية أخرى أو PhD (بلجيكا أو إسبانيا أو كندا أو غيرهم)، يتم توظيفه في إطار أستاذ محاضر (MC)، وبعد 4 سنوات يترقى بشكل اوتوماتيكي إلى أستاذ التعليم العالي (PES) طبقا لنظام 1975.

هل يُعقل طالبان مغربيان من نفس الفوج، انتقلا إلى الخارج لمتابعة دراستهما العليا، بعد أن اختار الأول فرنسا والثاني بلجيكا، وقد لا يفصل بينهما إلا بضعة كيلومترات فقط.. وعندما حصلا على الدكتوراة (نفس الشهادة)، عادا إلى المغرب والتحقا بنفس الكلية وربما نفس الشعبة.. الأول يتم توظيفه أستاذ مساعد (وسير ضيم) والثاني أستاذ محاضر ثم أستاذ التعليم العالي بعد أربع سنوات؟ هل رأيتم عبثا وظلما كهذا؟

مطلب حاملي الدكتوراة الفرنسية كان إذا هو التوظيف في إطار نظام 17 أكتوبر 1975، الذي ينص على تعيين حاملي الدكتوراة في إطار أستاذ محاضر وتسميتهم في إطار التعليم العالي بعد أربع سنوات من الأقدمية، على غرار زملائهم القادمين من بلجيكا وإسبانيا وكندا وبلدان أخرى أوروبية وأنجلوسكسونية… كانوا يطالبون بمعادلة شهادتهم.

على إثر هذا الحيف، التأم المتضررون وخلقوا لجنة وطنية عقدت ندوة في جامعة مكناس في تسعينات القرن الماضي (؟)، بعد أن رفض المكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم العالي السماح لهم بعقد الندوة داخل مقر النقابة بالرباط… وبعد ذلك أسسوا “الجمعية المغربية للأساتذة خريجي الجامعات الفرنسية” مع بداية الألفية الثانية.. ومنذ ذلك التاريخ، قرروا طريق النضال على كافة الواجهات والمستويات للدفاع عن مطلبهم، والتي يمكن تلخيصها في ما يلي :
1- تنظيم وقفات احتجاجية محليا (أمام رئاسة الجامعات) ووطنيا (أمام الوزارة)؛
2- التمثيلية في مختلف الهياكل الجامعية (مجالس المؤسسات ومجالس الجامعات) والأجهزة النقابية محليا وجهويا ووطنيا؛
3- تجميد مزاولة المهام المرتبطة بالإصلاح الجامعي (آنذاك)، وكل نشاط متعلق باعتماد مسالك الإجازات بالنسبة لكليات العلوم والتقنيات والمدارس العليا؛
4- دعوة الأساتذة الباحثين حاملي الدكتوراه الفرنسية إلى مقاطعة امتحانات دورة ماي لسنة 2002-2003 (قرار المجلس الوطني للتنسيق المجتمع يوم السبت 12 ابريل 2003 بالدار البيضاء)؛
5- تعليق قرار مقاطعة امتحانات الدورة الأولى لسنة 2002-2003، مباشرة بعد اجتماع مكتب الجمعية مع مدير ديوان وزير التعليم العالي في 10 فبراير 2003؛
6- اعتصام وطني مفتوح، خاضه حوالي 300 أستاذ باحث، وأدى إلى تأخر إجراء الامتحانات الشفوية، بالنسبة إلى النظام القديم، لأزيد من أسبوعين… هذا الاعتصام خلق حالة استنفار قصوى داخل الأجهزة الأمنية وحالة ترقّب في أروقة الوزارة الوصية؛
7- قرار الجمع العام الوطني للأساتذة الباحثين حاملي الدكتوراه الفرنسية والقاضي بتأخير إجراء المداولات، ما ترتب عنه تأجيل إجراء الامتحانات الشفوية والدورات الاستدراكية لمدة أسبوع؛
8- الدخول في إضراب عن الطعام دام 84 يوما (من فاتح نونبر 2006 إلى 24 يناير 2007)، والذي خلق ضجة وسط الرأي العام الوطني ورجة في الوسط الجامعي، وأرغم الوزارة الوصية على إصدار مشروع المرسوم رقم 2.08.12 الذي صادق عليه مجلس الحكومة في يناير 2008، والذي ينص على تسمية هؤلاء الأساتذة في إطار أستاذ مؤهل ابتداء من سنة 2004… واللائحة طويلة.

بالإضافة إلى كل ما سبق وإلى ما لم أتطرق إليه، وجّهت الجمعية رسائل إلى كل من وزير التعليم العالي خالد عليوة ومن جاء بعده، ورئيس الحكومة إدريس جطو، ورئيس الجمهورية الفرنسية جاك شيراك، من أجل التدخل الشخصي لحل مشكلة الأساتذة الباحثين حاملي الدكتوراة الفرنسية.

أما على المستوى النقابي، فإن ملف الدكتوراة الفرنسية فرض نفسه في المؤتمرات الستة الأخيرة للنقابة الوطنية للتعليم العالي.. نعم ستة مؤتمرات وطنية متتالية، أي من المؤتمر الوطني السادس (دجنبر 1993) إلى المؤتمر الوطني الحادي عشر (أبريل 2018)، حيث كانت الدكتوراة الفرنسية تتصدّر الملف المطلبي الوطني ومقررات جل هذه المؤتمرات… ما أدخل ملف الدكتوراة الفرنسية إلى كتاب جينس للأرقام القياسية، باعتباره أقدم مطلب نقابي في العالم.
جدير بالذكر أيضا أن خالد عليوة، وزير التعليم العالي، كان قد وعد في كلمة ألقاها بمناسبة المؤتمر الوطني الثامن بإعادة فتح ملف الأساتذة الباحثين حاملي الدكتوراة الفرنسية وحل مشاكلهم مباشرة بعد الانتهاء من أشغال المؤتمر، المنعقد بالرباط أيام 2-3-4 أبريل 2004.

تخيّلوا كل هذه المدة من عمر هذا الملف المطلبي (38 سنة) وهذا الزخم والتنوع في الأشكال النضالية وستة مؤتمرات وطنية متتالية للنقابة الوطنية للتعليم العالي ووو… ولم يتحقق مطلب حاملي الدكتوراة الفرنسية إلى حدود اليوم، بعد أن مات من مات وتقاعد من تقاعد.

وفي تقديري فإن الأخطاء التي ربما حالت دون تحقيق مطلب حاملي الدكتوراة الفرنسية، يمكن تلخيصها بإيجاز في أربعة نقط داخلية (intra-AMECLUF)، دون الحديث عن عوامل خارجية (extra-AMECLUF) :
1- رفع الاضراب عن الطعام في غياب الضمانات لحل المشكل؛
2- الاعلان عن تأسيس النقابة الوطنية المستقلة للتعليم العالي (snAsup) خلال المجلس الوطني للتنسيق للجمعية المغربية للأساتذة الباحثين خريجي الجامعات الفرنسية المنعقد يوم الأحد 25 يناير 2009 بمراكش؛
3- انسحاب الأغلبية من حاملي الدكتوراة الفرنسية من المؤتمر الوطني العاشر (انشقاق)، وإصدار بيان لهم يطعنون من خلاله في شرعية المؤتمر واللجنة الإدارية؛
4- تراجع حاملي الدكتوراة الفرنسية عن الضغط عبر الاحتجاج، بعد أن اعتقدوا أن تواجدهم في الأجهزة الوطنية للنقابة الوطنية للتعليم العالي كفيل بتحقيق المطلب.

في الختام، أتمنى أن تكون الرسالة قد وصلت، وأن يكون ملف الدكتوراة الفرنسية والنظام الأساسي لموظفي قطاع التربية الوطنية عبرة للأساتذة الباحثين المتضررين من عدم احتساب الأقدمية العامة في الوظيفة العمومية، وأتمنى بكل صدق أن يتم حل الملفات الفئوية قبل المؤتمر الوطني القادم، ليكون هذا الأخير مؤتمرا فكريا وديمقراطيا تستحضر فيه النخبة دور وأهمية الجامعة العمومية في بناء المجتمع، وليس سوقا ل “البادجات” ومناسبة لتفشي ممارسات مشينة تسيء إلى الجميع.

اترك رد