ما لا يعلمه الرأي العام الوطني حول تعيين رؤساء الجامعات
بقلم: عبدالحق غريب
منذ إجراء أولى المباريات لشغل منصب رئيس الجامعة، طبقا لمقتضيات القانون 00-01 الذي دخل حيز التنفيذ سنة 2000، تكاد لا تمر مباراة دون أن تكون نتائجها محط انتقادات وشكوك وفي بعض الأحيان يصل الأمر إلى تقديم طعون من قبل بعض المترشحين، كما وقع في مباراة شغل منصب رئيس جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس في غشت من سنة 2022.
لقد سال كثير من المداد حول هذا الموضوع وفي كل مرة يتم إعطاء الدليل والبرهان بأن نتائج هذه المباراة أو تلك تفتقد إلى المصداقية وأن الشفافية وتكافؤ الفرص حبر على ورق.. ولا حياة لمن تنادي.
اليوم، وفي سياق انتظار نتائج مباريات شغل منصب أربع جامعات (الرباط، مراكش، مكناس والجديدة)، يعود موضوع تعديل المادة 15 من القانون 00-01 إلى الواجهة، ويعود معه السؤال القديم :
هل المترشحين الثلاثة الذين يتم انتقاءهم من قبل اللجنة المكلفة بدراسة الترشيحات والمشاريع هم الأفضل ضمن كل المتبارين، وهل النقط التي يحصلون عليها تعكس كفاءتهم ومؤهلاتهم ؟
للإجابة عن هذا السؤال، لا بُدّ من التذكير بالمعايير التي تعتمدها اللجنة من أجل انتقاء المترشحين وتنقيطهم كما جاء في المذكرة الوزارية ذات الصلة :
– المعيار الأول، هو مشروع تطوير الجامعة (100 نقطة) ؛
– المعيار الثاني، السيرة الذاتية (100 نقطة)؛
– والمعيار الثالث، هو المقابلة (100 نقطة).
وجوابا على السؤال أعلاه، نطرح سؤالا آخر : هل هذه المعايير الثلاثة تضمن احترام تكافؤ الفرص بين المترشحين، وبالتالي يمكن القول أن اعتمادها قد يُفضي إلى نتائج ذات مصداقية، أم لا ؟ وفي حالة النفي، من يتحمل المسؤولية في ذلك ؟
لنرى ما يجري على أرض الواقع :
بالنسبة للمعيار الثالث، وبشهادة العديد من المتبارين والمتابعين للشأن الجامعي، فإن بعض اللجن تنحاز بشكل كبير إلى أحد المترشحين دون غيره، من أجل أن يحصل على أعلى نقطة من 100.. والمسؤولية هنا تقع على عاتق اللجنة التي تم تعيينها على المقاس للقيام بمهمة بئيسة تسيء إليهم قبل أن تسيء إلى مصداقية النتائج.
أما بالنسبة للمعيارين الأول والثاني، يمكن القول أن مسؤولية ضرب مبدأ تكافؤ الفرص يتحملها المترشحون أنفسهم. كيف ذلك ؟
الجميع يعرف ويعلم أن مشروع تطوير الجامعة بات سلعة تباع وتشترى في السوق، وما على البعض ممن يرغب في الترشيح لمباراة شغل منصب رئيس الجامعة سوى أن يختار مكتب الدراسات الذي يريد، ثم يتوجه إليه ليتفاوض معه حول الثمن وموعد التسليم.. ويتكلف المكتب بإعداد مشروع جذاب ومتميّز، ولو ب “النفيخ” و “تعمار الشوارج” و “الزواق”، مادام الهدف هو الحصول على أعلى نقطة من 100. وقد يكون المشروع بعيدا كل البعد عن واقع الجامعة المعنية وإنجازه يكون من باب المستحيل. وفي هذه الحالة يكون الضحية هو المترشح النزيه الذي يختار أن يعتمد على نفسه ويُعدّ مشروعا يراه واقعيا ومناسبا للجامعة ويمكن تطبيقه.
جدير بالذكر أن ظاهرة بيع وشراء مشروع تطوير الجامعة ليست جديدة، بل ظهرت منذ بداية تطبيق القانون 00-01، حين افتضح أمر رئيسا جامعة شعيب الدكالي وجامعة عبد المالك السعدي سنة 2003، بعد أن قدما نفس المشروع (copier coller بالنقطة والفاصلة) مع تغيير اسم المترشح واسم الجامعة.. وقد كانت هذه الفضيحة موضع سؤال في البرلمان آنذاك.
وفي هذا الباب، يجب أن نستحضر أنه، مع تطور التكنولوجيا وبفضل الذكاء الاصطناعي، لن يحتاج المترشحون مستقبلا لمكاتب الدراسات، مادام الكومبيوتر قادر على إنجاز وإعداد مشاريع خارقة للعادة.
أما فيما يخص المعيار الثاني المتعلق بالسيرة الذاتية، يمكن القول أن ما يسمى ب “النفيخ” في السيرة الذاتية بطرق واساليب لم تعد تخفى على أحد، فهي كذلك ظاهرة قديمة قدم بيع وشراء مشاريع تطوير الجامعة. إلا أن الجديد في هذه الظاهرة والذي ربما لم ينتبه إليه الرأي العام الجامعي في السنوات الأخيرة، هو ما قام به بعض رؤساء الجامعات الذين عمدوا، منذ توليهم المسؤولية، إلى إعداد وتهيئ من يخلفهم بعد نهاية ولايتهم، وذلك من خلال إسناد مسؤوليات إليهم وتكليفهم بمهام كثيرة ومختلفة، حيث وبإطلالة سريعة على السيرة الذاتية تلاحظ أن المترشح المحظوظ تقلد تقريبا كل المسؤوليات الموجودة بالجامعة وكأن الرجل يعتبر “سوپرمان” (نائب الرئيس، عميد بالنيابة لهذه المؤسسة، عميد بالنيابة لتلك المؤسسة، عميد كلية، مكلف بالعشرات من المهام…).
ولعل جامعة شعيب الدكالي خير دليل على هذا النموذج المخجل، حيث يمكن اعتبارها نموذجا فريدا ومتفرّدا في هذه الظاهرة غير المقبولة التي تضرب في العمق مبدأ تكافؤ الفرص بين المترشحين، وتسعى إلى ترسيخ آفة توريث الكرسي، لأسباب لا يعلمها أحد.
في الأخير، ها نحن مرة أخرى نطالب الجميع، وبصوت مرتفع، بتحمل المسؤولية والعمل على احترام مبدأ تكافؤ الفرص والدفاع عن مصداقية المباريات، وتفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة، حيث لا يعقل ان يتقدم مترشح لمباراة شغل منصب ما دون مساءلته ومحاسبته على المسؤوليات التي سبق أن تحملها.