ما همّوني غير الرجال إذا ضاعوا.. لْحيوط إذا رابو كلها يبني دار…
بقلم: عمر المصادي
في مسيرة الحياة، نواجه كثيرا من الصعاب التي تختبر صلابتنا وإرادتنا، لكن هناك رجال قلائل يثبتون حقا أنهم أبطال، ليس فقط بقوة أجسادهم، بل بعزيمتهم التي لا تنكسر، هؤلاء هم الرجال الذين إذا قتلوا، لم تمت روحهم، لأنهم زرعوا في الأرض بذورا صالحة، أرادوا من خلالها أن يبنوا حياة ودارا مستدامة للأجيال القادمة.
إن الحيطان التي نعتز بها تمثل أكثر من مجرد جدران تحيط بنا، هي رمز الأمان والإستقرار. وقد تهدم هذه الحيطان بفعل الحروب أو الكوارث أو حتى الخيانات، لكن العبرة ليست في الهدم، بل في كيف ننهض من بين الأنقاض، هنا يكمن سر الرجال الحقيقيين، فهم لا يستسلمون ولا يستكينون أمام المحن، بل يتحولون إلى بناة يعيدون صياغة أحلامهم وواقعهم من جديد، كما يفعل الناجون من الدمار الذين يعيدون بناء مدنهم، ويرسمون مستقبلهم بأيديهم رغم كل ما فقدوه.
وعلى سبيل المثال، بعد الكوارث الطبيعية مثل الزلازل أو الحروب، نرى مجتمعات تنهض من جديد، رجال ونساء يصرون على إعادة بناء منازلهم وأعمالهم وحياتهم، رغم الألم والدمار، في كل مرة يهدم فيها شيء ما، يولد أمل جديد، لأن الإرادة الإنسانية أقوى من كل الحواجز.
فلسفيا، هذا الصمود يعكس جوهر الإنسان وقوته الداخلية، إنه التعبير الأسمى عن معنى الحياة، إذ لا يكفي أن نعيش فقط، بل يجب أن نخلق، نبتكر، ونبني. الهدم قد يكون بداية لحياة جديدة، لا نهاية. وفي كل محاولة لبناء دار جديدة، هناك قصة عن القوة، الصبر، والحب.
وليس فقط الأفراد هم من يبنون بيوتهم وأحلامهم، بل المجتمع كله يشارك في هذه المسيرة، عندما تتكاتف الأيدي وتتوحد القلوب، تتعزز قدرة الجماعة على الصمود والبناء. المجتمعات التي تتعلم من تجاربها، التي تنمي قيم التعاون والتضامن، هي المجتمعات التي تنهض بعد الهدم بقوة أكبر، كل منا يستطيع أن يستلهم من قصة الصمود هذه في حياته الشخصية، في مواجهة تحدياته الخاصة، سواء في العمل أو العلاقات أو حتى الصحة النفسية.
الروح البانية التي نحتاجها اليوم هي روح لا تهاب الفشل، بل تعتبره خطوة نحو النجاح، وهي روح تتحدى اليأس وتزرع الأمل، تبني من جديد حين يهدم كل شيء، وتؤمن بأن لكل خراب بداية جديدة. فلنكن جميعا بناة لمدننا، بيوتنا، وأحلامنا، ولنمد يد العون لبعضنا لنرتقي معا فوق كل الصعاب.