منظومة العدالة في عصر الرقمنة بالمغرب
بقلم: ياسيــن كحلـي (.)
في سياق التقدم التكنولوجي المتطور والسريع الذي يشهده العالم، أصبح من الضروري على الدول اعتماد استراتيجيات رقمية لمواكبة هذا التقدم. ولم يعد العالم مكانا متسعا، بل أصبح قرية صغيرة بفضل التطور التكنولوجي الهائل، مما يحتم على الدول العمل على تحديث أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. في هذا السياق، يمكننا ملامسة دور الرقمنة في تحقيق النجاعة القضائية، وهو موضوع ذو أهمية خاصة في المغرب الذي اتخذ خطوات جادة نحو رقمنة النظام القضائي
وقد تم الإعلان عن مشروع رقمنة المساطر القضائية من قبل السلطة الحكومية المكلفة بالعدل، بهدف تسهيل استعمال الأنظمة الرقمية في كافة مراحل التقاضي في القضايا المدنية والجنائية. يشمل هذا المشروع إيداع الدعاوى والطلبات بشكل إلكتروني، وكذلك اعتماد التبليغ الإلكتروني، ونظام الأداء الإلكتروني عند أداء الرسوم القضائية، بالإضافة إلى الحسابات الإلكترونية المهنية للمحامين والمفوضين القضائيين والخبراء.
يبتغي المشروع الرفع من تسريع الإجراءات القضائية تجنبا لهدر الزمن القضائي، إلى جانبضمان المرونة والدقة في الاستجابة، وتعزيز الشفافية والنزاهة في النظام القضائي. ويأتي هذا في إطار جهود الحكومة المغربية لتحويل الإدارة التقليدية القائمة على العمليات الكلاسيكيةـ بواسطة الورقية ـ إلى إدارة تعتمد على آليات تكنولوجيا والدعامات الإلكترونية في التجميع والتعامل الرقمي للبيانات والمعلومات. وذلك من خلال نظم معلوماتية خاصة بالقضايا المعروضة على المحاكم، حيث يتم رقمنة جميع الإجراءات المتعلقة بتجهيز الملفات وتبادل الوثائق والمذكرات بين الأطراف، وتبليغ الطلبات والاستدعاءات والشهادات الإدارية والقضائية، وتنظيم المحاكمات عن بعد.
تواجه عملية الرقمنة القضائية تحديات متعددة، تشمل الحاجة إلى بنية تحتية تكنولوجية قوية، وإطار تشريعي ينظم استخدام التكنولوجيا في الإجراءات القضائية، بالإضافة إلى تدريب وتأهيل الموارد البشرية للتعامل مع الأنظمة الرقمية. على الرغم من هذه التحديات، فإن المشروع يهدف إلى تحسين جودة الخدمات القضائية المقدمة، مما يساهم في ترشيد الزمن القضائي وتعزيز الثقة بين مرفق العدالة المتقاضين والمواطنين على حد سواء.
وقد انطلق مشروع رقمنة الإدارة القضائية في المغرب منذ عام 2000، ومع صدور ميثاق إصلاح منظومة العدالة سنة 2013، بدأت مرحلة جديدة في عملية التحول الرقمي. وبذلك تهدف هذه المرحلة لتحقيق ما يعرف بـــ “المحكمة الرقمية”، التي تقدم خدمات قضائية عالية الجودة، وتعزز الحكامة القضائيةوعقلنية الزمن القضائي. هذا التحول من المتوقع أن يساهم في تحسين مناخ المال والأعمال في المغرب، حيث تؤكد المعايير والمؤشرات العالمية على أهمية نظام رقمي لتدبير الشكاوى والقضايا موضوع دعوى قضائية في المحكمة، مما يعزز الثقة بين المستثمرين والنظام القضائي ويساهم في تسريع وتيرة الاستثمارات.
ونرى فيالرقمنة القضائية خطوة استراتيجية كبيرة نحو تحقيق عدالة فعالة ومبسطة في التعامل لدى العموم. كما تساهم هذه الخطوة في تحويل الإدارة التقليدية إلى إدارة تعتمد على التكنولوجيا الحديثة، مما يتيح للمحامين والمواطنين القيام بالإجراءات القانونية والقضائية دون الحاجة للتنقل إلى المحاكم. هذا بدوره يعزز من جودة الخدمات القضائية ويضمن حقوق المرتفقين بشكل مستمر وبصور متعددة.
إجمالا؛ يمكن القول إن مشروع الرقمنة القضائية في المغرب يعكس التزام الحكومة المغربية بتبني التكنولوجيا لتحسين النظام القضائي. على الرغم من التحديات التي تواجه هذا التحول، فإن الفوائد المتوقعة تشمل تحسين سرعة ودقة الإجراءات القضائية، وتعزيز الشفافية والنزاهة، وتحسين مناخ الاستثمار. لأنالرقمنة اليوم ليست خيارا أو ترف، بل ضرورة حتمية لتحقيق عدالة متيسرة للجميع وفعالة في ظل التطور التكنولوجي والثورة الرقمية التي يشهدها العالم.
(.) مستشار قانوني وباحث في العلوم القانونية