من الاحتجاجات إلى الاحتفالات

بقلم: لحسن الجيت

من يراهن على خلق الفتنة في المغرب من خلال التلاعب بأهواء المغاربة، فهو واهم ولا يعرف هذا الشعب الأبيّ الذي احتار في أمره عبر التاريخ المتربصون، القدامى منهم والجدد، بعد أن ظنوا أنهم على مشارف تحقيق مآربهم الخبيثة. خسئت ظنونهم كما هي أعمالهم الشيطانية. فالمغاربة ليسوا بآخر ما جاد به الغيث في الوطنية، هم أول الناس، وهم من سيبقون على ما هم عليه إلى حين أن تنتهي كل الأزمنة ولا يبقى إلا قول الحق يسري فوق من أحبّ وفوق من كره.

طوال الأسابيع الأخيرة، اعتقد أعداء المغرب في الخارج ومن تواطأ معهم من الخونة في الداخل أنهم أفلحوا في استدراج شباب إلى التمرد في غفلة من أمرهم، فانتشروا في شوارع العديد من المدن في حركات احتجاجية تبيّن لهم مع مرور الوقت أنهم لا سلطان لهم عليها، ليقفوا على حقيقة لا ثانية لها، وهي أن ما استُدرجوا إليه كان خدعة ومصيدة نصبها لهم أعداء بلادهم. فتيقنوا أن أجندتهم التي خرجوا من أجلها انحرفت عن مسارها الوطني، وأنهم لم يكونوا سوى حطب لنار أراد الأعداء إشعالها للإتيان على الأخضر واليابس في هذا البلد.

وبالفعل، ثبت بالدليل القاطع أن النظام الجزائري كان هو المهندس الرئيسي الذي استرخص الغالي والنفيس ليضرب أمن واستقرار البلد، باستخدام أدوات منحطة تسمى اليوم بالذباب الإلكتروني. براز عائدات البترول جلب الذباب من كل حدب وصوب، براز تجمعت فوقه أقلام مأجورة وخونة باعوا ضميرهم فسقطوا في المحظور. ولم يتصدَّ المغرب بمثل ما جنّدوه من ذباب، بل استخدم في حقهم ما يسمى بالقوة الناعمة التي تعكس رقيّ وحضارة بلد ينأى بنفسه عن الشتائم احترامًا لتاريخه وأصالته.

القوة الناعمة أداة للبناء، وبعيدة كل البعد عن أن تكون أداة للهدم والتخريب، فهي تركز على بناء الذات أكثر من الاهتمام بالخارج، وتحث على التنافس الشريف وليس على الإقصاء. فما المقصود بالقوة الناعمة؟ هي قوة مسالمة وسلمية، بعيدة عن قواميس التهديد والوعيد، رسائلها حضارية لمن أراد أن يستوعبها. تستخدم فيها الدولة وسائل متعددة تتأرجح ما بين الثقافة والفن والدين ومبادئ الأخلاق، وفي مجالات أخرى تتعلق بحقوق الإنسان والرياضة، وجميعها تفضي إلى جلب الاحترام وإعجاب الغير، وجميعها كذلك تُستخدم لمواجهة أخطار وشرور الأعداء ومخططاتهم الكيدية.

بين الصورة البارزة والعنوان

الحالة التي تمر منها بلادنا اليوم تشهد على هذه القوة وعلى فعاليتها في درء المخاطر. فالرياضة، كأداة للقوة الناعمة، استطاعت أن تفوّت الفرصة على الأعداء، بعد أن تحوّلت مجريات الأحداث، وبسرعة فائقة، من حركات احتجاجية تميزت بأجواء متوترة ومشحونة، إلى احتفالات عمّها الفرح في مختلف ربوع المملكة.

الفضل في كل ذلك يعود إلى الإنجاز التاريخي غير المسبوق الذي حققه المنتخب المغربي لكرة القدم بفوزه المستحق بكأس العالم، بضربة جزاء أو براسية أو بأقدام أخرجنا أعتى المنتخبات في العالم، وبفضلها أخرجنا كذلك العدو الداخلي والخارجي من الساحات العمومية ومن الشوارع التي ملأوها بالباطل زورًا وبهتانًا. فالدرس الذي وقف عليه الجميع أن الأحزاب تفرّقنا، وكرة القدم توحّدنا. فطوبى للكرة وبئس المصير لتلك الأحزاب. فما الذي جعل المغاربة يسهرون لغاية الساعة الثانية صباحًا ويفرحون إلى غاية الساعات الأولى من الفجر لو لم يكن هناك عشق دفين في أعماقهم لهذا الوطن؟

الرياضة ليست ترفًا فكريًا، وبالأخص كرة القدم التي تتابعها شعوب الكرة الأرضية على اختلاف ألوانهم وألسنتهم. هذا النوع من الرياضة قدّم ورقة تعريفية عن بلدنا، والإنجازات الكروية التي حققها المغرب في قطر والشيلي أعطت لنا إشعاعًا كبيرًا. ومن كان لا يعرف المغرب فقد حجز لنفسه تذكرة في الطائرة وجاء ليتعرف عليه أكثر. فوزنا بكأس العالم هللت له كل شعوب الأرض إلا النظام الجزائري، الذي أبان عن حقده وعزل نفسه عن الجميع كما هو معزول أصلًا. لم نحاربه بالسلاح ولكننا أفحمناه بالقوة الناعمة.

هذا الإنجاز التاريخي أسكت العديد من الأصوات التي كانت بالأمس تشكك في رجل وطني اسمه فوزي لقجع. قال المهرجون من طينة ما يسمى بالمهداوي، بعد أن تساءل باستهجان وعن جهل كبير: ما علاقة هذا الرجل بالرياضة؟ ولأن السيد لقجع أكبر بكثير من أن ينزل إلى ذلك المستوى، فكان رده على أرض الواقع وفي الملاعب وبالإنجازات العالمية. فضحالة المدعو المهداوي وخفة عقله في هذه النازلة تؤكد للجميع أن لغطه في كل خرجاته يعبر عن سوء النية والتشويش على هذا البلد، وأنه يهرج ولا يفقه شيئًا. وقس على ذلك مهرجون آخرون قلّلوا من المنشآت الرياضية التي بُنيت في زمن قياسي لم يسجل مثيل لها في العالم بأسره.

هذا النبوغ المغربي في مجال الرياضة يرسم لنا معالم كبيرة قد تمهد الطريق لمغرب حداثي. فما سجلناه من تطور لافت قد يكون حافزًا للنجاح في قطاعات أخرى. فالمستحيل ليس مغربيًا، وبلدنا يتحسس طريقه بكل تؤدة وبكل ثبات نحو الارتقاء إلى مصاف الدول الكبيرة. فالإرادة السياسية قائمة وموجودة، والعزائم مشدودة في اتجاه الإصلاح، والرسائل قد وصلت للعدو كما وصلت للصديق، ولعل شبابنا قد يكون أول من أخذ العلم بالأشياء، والمستقبل قد يعدهم بالأفضل، فهم الرهان وهم ركيزة هذا البلد.

اترك رد