من يقيّم أصوات الإذاعة والتلفزة العموميتين؟

بالواضح - ياسين عروشي

ليس غريبًا أن ينجذب المشاهد إلى المحتوى بسبب جودة الصوت، ولا أن ينفر منه إذا أحس أن الأذن تُجلد بدل أن تُصغي. هذا ما يحدث بالضبط مع واحد من الأصوات التي تلازم البرامج الإخبارية والدينية في القناة السادسة وإذاعتها، صوتٌ يكاد يفرض حضوره اليومي منذ سنوات، إلى درجة أنه بات مقترنًا بكل نشرة وكل برنامج، لدرجة تثير استغراب فئات واسعة من المتابعين.

الإشكال لا يتعلق بنبرة الصوت أو طبيعته الفيزيولوجية، بل بطريقة نطقه المبالغ فيها، والتي توحي في ظاهرها بالتمكن من مخارج الحروف، لكنها في عمقها تُفرط في الضغط على كل لفظ، وتُحمِّل العبارة ما لا تحتمله، في محاكاة مشوهة لقواعد التجويد، حتى حين لا يكون السياق قرآنيًا أو شرعيًا.

صوتٌ يقرأ الأخبار والتقارير والبيانات والاعلانات بأسلوب يكاد يكون واحدًا، جافًّا، ثقيلًا، يُجهد الأذن أكثر مما يُفيد المعنى. وبدل أن يُسهم في تقريب المضامين إلى المتلقين، يتحول إلى حاجز سمعي ينفّرهم من المتابعة، خصوصًا لدى فئات الشباب والمشاهدين غير المتخصصين الذين لا يتحملون ذلك الأداء المتكلّف.

ما يثير التساؤل هنا، هو كيف يُمكن لمؤسسة إعلامية عمومية أن تستمر لسنوات في ترسيخ صوت بهذه الصفات في صدارة بثها اليومي، بل وتقدّمه باستمرار في واجهة المؤشرات على أنه من بين “الأكثر متابعة”، في حين أن جزءًا معتبرًا من جمهور الإذاعة والتلفزيون لا يجد في ذلك الصوت أي انسجام مع تطلعاته أو معايير التواصل الإذاعي المعاصر.

المعضلة أعمق من مجرد نبرة منفّرة، فهي تكشف عن غياب سياسة تحرير صوتية تواكب تحولات الذوق العام وتضمن تنويع الأصوات، والأخطر من ذلك أنها تعكس نوعًا من الاستسهال في التعامل مع التلقي، كأنما الصوت مجرد تفصيل لا يؤثر في التجربة الإعلامية الكاملة.

وحين يكون هذا الصوت مرتبطًا بمنتوج إعلامي عمومي يُموَّل من جيوب المواطنين، فإن النقد لا يصبح رأيًا معزولًا، بل حقًا مشروعًا في وجه أداء ينبغي أن يُقيّم باستمرار، لا أن يُحصّن بالعادة والروتين والمؤشرات التقنية وحدها.

إن احترام الجمهور لا يُقاس بعدد ساعات البث، بل بمدى جودة ما يُقدَّم له، في الصوت قبل الصورة، وفي المعنى قبل الأسلوب. والمسؤولية اليوم ليست على “صاحب الصوت” فقط، بل على من يختار أن يستمر في تقديمه للناس كما لو أنه الصوت الوحيد الممكن، متجاهلًا ما أصبح مسموعًا همسًا وجهارًا من نفور واستغراب وملل.

اترك رد