نبيلة منيب مناضلة تفترس ذاتها
بقلم: لحسن الجيت
استوقفني كلام هذه المناضلة التي يفترض فيها كأستاذة جامعية أن تكون أكثر من غيرها حرصا وتشبثا بقواعد البحث العلمي وقراءة الوقائع التاريخية قراءة جيدة في إطارها المعرفي والنسقي، والعمل على كل ما من شأنه أن يغير من تلك الحقائق بفعل الوقوع تحت تأثير الأهواء والأيديولوجيات التي يعتنقها المرء على غرار ما نعاينه عند بعض اليساريين.
جاء مؤخرا على لسان السيدة نبيلة منيب “إن التطبيع مع الكيان الصهيوني انطلق منذ عقود عبر التعاون مع جهاز المخابرات الموساد لنقل مغاربة يهود إلى فلسطين لاحتلال أراضيها واعتناق العقيدة الصهيونية”. هذا الكلام ينطوي على مغالطات تاريخية كما أنه اتهام خطير أرادت به السيدة منيب الإساءة للمغرب.
فحينما نقول بأنه ينطوي على مغالطات تاريخية فإنه لدينا من الحقائق ما يثبت عكس ذلك الادعاء، من بينها أن جلالة الملك محمد الخامس كانت له مواقف مشهود لها في حمايته لليهود المغاربة من بطش “حكومة فيشي” التي طالبت آنذاك ملك البلاد بتسليمه اليهود المغاربة. وفي تحد غير مسبوق، رفض جلالته النزول عند ذلك الطلب حجته في ذلك أن المطلوبين هم رعاياه والمساس بأي أحد منهم هو بمثابة المساس بالأمراء والأميرات. وما زال اليهود المغاربة إلى يومنا هذا يعتزون بهذه المواقف التاريخية لجلالة المغفور محمد الخامس. وبكل خفة بعيدة عن رجاحة العقل، تاتي اليوم السيدة منيب لتقلب هذه الحقائق بشطحات فكرية وتقول لنا أن التطبيع بدأ منذ عقود أي منذ أن أظهر المغرب تعاونا مع الموساد لتسليم اليهود المغاربة ونقلهم إلى فلسطين بنية احتلالها.
والخطر الثاني في حديث المناضلة أن المغرب قدم خدمة لإسرائيل وساعد على إنشائها بعد أن أرسل يهودا للاستيلاء على أراضي الفلسطينيين. وهنا نسائل السيدة منيب ما حجتها في ذلك. ما سندها وهي الباحثة وهي الأكاديمية. وكيف يمكن أن يفرط ملك في رعاياه وهو الذي حماهم ليقدمهم بعد ذلك قربانا للصهيونية. ما تقوله هذه المناضلة يرقى إلى مستوى اتهام المغرب بالخيانة العظمى، وهي اليوم مطالبة بإثبات ذلك للرأي العام المغربي لا أن تطلق الأحكام على عواهنها.
وردا على تلك المغالطات التاريخية والأكاذيب التي يحاول بعض الحالمين ترويجها، نقول للسيدة منيب الحقيقة ليست كما تريدين أن ترينها وإنما من كان يقف من وراء حمل اليهود المغاربة على الرحيل المغرب هو اليسار المغربي وهو الذي ساهم في إنشاء دولة إسرائيل. والحقيقة أن أقطاب هذا اليسار كان من مصلحتهم بعد حصول المغرب على استقلاله أن يغادر اليهود البلد. وقد روج ذلك اليسار في حينه أن المد الناصري سيزحف على دول شمال إفريقيا بدءا من الجزائر وليبيا وسيمتد إلى المغرب. هذه الدعاية التي نسجها أقطاب اليسار المغربي خلقت الفزع والهلع عند أبناء الطائفة اليهودية وبدأوا يفكرون في الهوب وفي كيفية أن يفلتوا بجلدهم من هذا الغول الناصري الزاحف على المنطقة. وبالفعل فروا في رحلات على متن باخرة “إجوز” التي غرقت قبالة سواحل الحسيمة.
إلى جانب ذلك، نود أن ننعش ذاكرة المناضلة نبيلة منيب. وإن غابت عنها حقائق أخرى فلا بأس أن نذكرها بذلك الاضطهاد الذي حاول أن يمارسه بعض من أرادوا أن يرثوا الاستعمار الفرنسي بعد رحيله باسم الوطنية. تلك الفئة كان همها أن تظفر بالكعكة على المستوى الاقتصادي والتجاري وكان رجالها يخشون من منافسة اليهود المغاربة لهم وهم المؤهلون أصلا للإمساك بخيوط الاقتصاد المغربي. وقد شنت ضدهم حملات متنوعة لإجبارهم على الرحيل. على المستوى الإعلامي شنت حملة ضد التجار اليهود في الدار البيضاء وفاس حيث كانت بعض الجرائد اكتب في صدر صفاحتها “لا تعطي درهمك لليهودي” . كما كان التجار المسلمون يكتبون على محلاتهم التجارية عبارة “أشهد ألا لا إله الله” ليميزوا أنفسهم عن المحلات التجارية لليهود. سيدتي نبيلة منيب أقول لك إنها حرب تجارية شنها ما يسمون بالوطنيين ضد شركائهم في الوطن، وأنهم كانوا السبب في إجبار اليهود على المغادرة. وانت الباحثة أحيلك على جرائد تلك الحقبة لتستأنسي بتلك الوقائع قبل أن تصدري أحكاما عن جهل أو من منطلق تجدين فيه نفسك أسيرة لنمط معين من ذلك التفكير الذي طوته الحداثة وأصبح اليوم في عداد النسيان. وكفى بالله شهيدا وكفى من تزوير التاريخ.