هكذا وضع الملك نفسه طرفا لحل أزمة الريف

بالواضح – سعد ناصر

عهد جديد من الحكم والتسيير يفتتحه الملك محمد السادس، أملته الظروف الاستثنائية المتمثلة في حراك الريف الذي اقترب من إكمال عامه الأول.

وقد كان على صناعة القرار في المغرب أن تغيّر من أدواتها، وأساليبها، بل وفي ثقافتها أيضا، فالكل شاهد الطريقة التي بدأ يعالج من خلالها الملك محمد السادس ملف الحسيمة الحساس، والتحدي الذي ركبه بضرورة الحد من هذا الغضب الشعبي الذي اقترب من انهاء سنته الأولى والدخول في دائرة التخليد السنوي المعقدة.

لنعد إلى الطريقة التي شرع بها الملك محمد السادس معالجة ملف حراك الريف، حيث بدأ أول ما بدأ بالتعليمات التي أمر بها مختلف المسؤولين من أجل متابعة مطالب ساكنة الريف، قبل أن يتدخل بنفسه عبر مجلس وزاري هام، أصدر من خلاله بيانا عاصفا في وجه الوزراء المعنيين ببرمانج “الحسيمة منارة المتوسط” موضحا لرعاياه بأن المشاريع التي يشرف عليها لا يمكن إلا أن تخرج بغلاف مالي وليس على بياض، مصدرا تعليماته في الوقت نفسه بتشكيل لجنة تحقيق في أسباب الاختلالات التي طالت هاته المشاريع.

وفي الوقت الذي تباشر فيه اللجنة تحقيقاتها، جاء خطاب العرش، ليؤكد فيه الملك بضرورة أن يأخذ القانون مجراه، وان يتم تفعيل المبدأ الدستوري على الأرض المتعلق بربط المسؤولية بالمحاسبة، قبل أن يؤكد الكلامَ نفسَه في خطاب افتتاح البرلمان، وإن بلهجة أكثر تقدما ووضوحا، وذلك بعد تسلمه نتائج التحقيقات الحكومية من طرف كل من وزيري الداخلية والمالية عبدالوافي لفتيت ومحمد بوسعيد، في استقبال خصهما الملك رفقة كل من رئيس الحكومة سعد الدين العثماني والرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات إدريس جطو، قبل أن يحيل أمر التحقيق من جديد إلى جطو باعتبار مجلس الحسابات هيأة مستقلة عن الحكومة.

ودائما في سياق الحديث عن الطريقة التي عالج من خلالها الملك محمد السادس قضية تعثر مشاريع “الحسيمة منارة المتوسط” فإن أول ما يلاحظ، أن الملك تعامل مع الملف بحساسية دقيقة، وذلك بالتطبيق الصارم للدستور، ولمبدإ دولة المؤسسات، إذ ومن خلال الطريقة التي استقبل بها الملك لجنة التحقيقات سواء الحكومية أو المتعلقة بالمجلس الأعلى للحسابات، فإنه فضل استقبال اللجنة بمفرده، من دون أيّ من مستشاريه، بخلاف العادة، حيث دأب في المناسبات الهامة أن يكون مصحوبا بكبير مستشاريه فؤاد عالي الهمة.

ومن بين ما يمكن تسجيله خلال الاستقبال الملكي للجنة التحقيق سواء الأولى أو الثانية، أن العاهل وضع نفسه طرفا من أطراف الحكم في البلاد، بوصفه رئيسا للدولة، فيما أثثت الأطراف الأخرى كل من رئاسة الحكومة، ولجنة التحقيق الحكومية المتمثلة في كل من وزيري الداخلية والمالية، أما الطرف الثالث فيكمن في مؤسسة الحسابات المستقلة عن الحكومة المكلفة بمراجعة التحقيق.

إلا أن أبرز ما ميز الطريقة التي تعامل من خلالها الجالس على العرش، أن القرارات التي أصدرها في ملف الحراك وأبرزها إعفاء الوزراء والمسؤولين، فإنه فضل أن يخرجها علنا وبحضور كل من رئيس الحكومة ووزير الداخلية والرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، بل وحتى المبدإ الدستوري المتعلق باستشارة رئيس الحكومة بخصوص الاعفاءات فإنه أنفَذه ولأول علنا وبلا كولسة، أمام لفتيت وجطو.

كل هذه مؤشرات لجيل جديد من الاصلاحات التي ارادها الملك محمد السادس تفعيلها، بدأٌ من المؤسسة الملكية، في انتظار باقي المؤسسات؛ ولعل ما يدل على هذه الرغبة الملكية هو في تأكيده على ضرورة التفعيل الدائم لمبدإ ربط المسؤولية بالمحاسبة وأن تترسخ كسياسة جديدة يدخلها المغرب في عهده.

كل هذه إذن مؤشرات إيجابية، التي تبقى مجرد رغبات وآمال ملكية، ما إن تترجم على الأرض، عبر وضع اليد في اليد من قبل النخبة السياسية، التي ينبغي عليها الانخراط في هذا الورش الحساس، عبر المساهمة في تغيير ثقافة المسؤولية والإدارة بالبلد.

اترك رد