همسة حجاب

بقلم: فؤاد هراجة

ليس الغرض من هذا المقال الخوض في سجالات وجدالات فقهية تنتصر لهذا الطرف على ذاك، وإنما الغرض منه بيان دلالات وآثار حمل لاعبة كرة قدم لرمز الحجاب في تظاهرة رياضية عالمية. قد يبدو الأمر للبعض بسيطا، وأنه غير ذي أهمية كبيرة، كما قد يعتبره البعض الآخر تجَنِّيا على الدين وتشويها له. وتحقيقا للإنصاف، وسعيا منا إلى عدم تبخيس اللاعبة حقها وسط خطاب الكراهية من جهة، والخطاب الشعوبوي المغلف بالدين من جهة أخرى، لابد لكل متبصر أن يستحضر المعطيات التالية:

1️⃣ أن إصرار اللاعبة المغربية على ارتداء حجابها رغم علمها المسبق بإمكانية منعها من طرف الفيفا وحرمانها من المشاركة في تظاهرة رياضية عالمية قَلَّما تجود الأقدار بها، ليؤكد على عمق تشبتها بمبادئها وعدم تنازلها على رمزية اللباس المحتشم.

2️⃣ أن اللاعبة كان بإمكانها نزع حجابها والمشاركة دون ضجيج يذكر “ولا عين شافت ولا قلب وجع”، لكنها جعلت مستقبلها الكروي في كفة ورمز حجابها في كفة، واختارت التحدي كأول لاعبة في العالم ترتدي الحجاب.

3️⃣ أن اللاعبة المغربية كسرت “صنم العري” الذي تريد جهات عالمية أن تجعله سمة ملتصقة بالرياضة، في المقابل فسحت المجال لباقي الفتيات أن يحذن حذوها.

4️⃣ أن حضور رمزية الحجاب في تظاهرة رياضية عالمية له آثار بليغة جدا على المتلقي الغربي الذي ربطوا في مخيلته بين الإرهاب والحجاب، وهو ما جعل العديد من وسائل الإعلام العالمية تهتم بالموضوع وتثيره إما تنقيصا أو تخويفا منه.


وبناء على ما سبق، أقول لكل المنتقدين الذين أثخنوا اللاعبة طعنا في أخلاقها وشرفها باسم الوعظ والإرشاد والدعوة والغيرة على الدين، أن ما حققته هذه اللاعبة برمزية حجابها وصورتها التي انتشرت في كل بقاع العالم، لم تبلغوا منه مثقال حبة من خردل، لأنكم تصرخون في واد، وتنفخون في رماد، أما هي فقد جاهدت نفسها وثبتت على مبادئها، واختارت الزمان والمكان المناسبين للتعبير عن أصالة المبادئ والقيم. أما الظواهر الصوتية التي اتخذت من الحدث مطية لخوض معارك وهمية حفاظا على الدين وشرف النساء، فالأولى لأصحابها أن يتحدثوا عن منكرات الظلم والفساد والفقر والقمع ونهب الثروات التي يتجرع مرارتها الكاسي قبل العاري.
وخلاصة القول، يتضح أن دعاتنا ووعاظنا التقليديين وجمهورهم الشعبوي، لم يدركوا بعد أن منابر الدعوة قد تعددت، وأن أساليبها قد تنوعت، وأن أكثرها تأثيرا اليوم هي تلك التي يكون أصحابها من ذوي السمعة والوجاهة بحيث تكون دعوتهم بالحال وليست بالمقال. إننا في أمس الحاجة إلى أيقونات ورموز في كل المجالات تنافس مظاهر التفاهة وانحطاط الذوق وتدني القيم، ما يستوجب منا استثمار ما تجود به الأقدار علينا عوض هدمه وطمسه وتبخيسه.

اترك رد