الأعمال التلفزية خلال رمضان.. نقاش متجدد حول جودة المحتوى

بالواضح - و م ع

يتجدد كل سنة نقاش حول مستوى البرامج وجودة المحتوى الذي تعرضه القنوات التلفزية المغربية خلال شهر رمضان المبارك، الذي يعرف نسب مشاهدة قياسية، ويتزامن هذه السنة مع قرار فرض حظر التجوال الليلي لتفادي انتشار فيروس كوفيد-19، مما يعني أن المغاربة سيقضون وقتا أطول أمام شاشاتهم.

ويشهد الشهر الأبرك تنافسا محتدما بين القنوات المغربية، العمومية والخاصة، بل وحتى الأجنبية (على غرار قناة إم.بي.سي 5)، حيث يعتبرونه أهم موسم تلفزي في السنة. وتعمل هذه القنوات جاهدة لكسب أكبر نسب المشاهدة والاستحواذ على اهتمام المشاهد المغربي، الذي عادة ما يقضي ساعة الفطور مع أسرته أمام شاشة التلفاز.

وعلى الرغم من تنوع الأعمال المقدمة، التي تتوزع بين البرامج الدينية والأعمال الدرامية والكوميدية، إلا أنه يلاحظ طغيان الطابع الفكاهي على هذه البرامج، لاسيما في ساعة الذروة، بمختلف أصنافها .. سيتكوم، كاميرا خفية، محاكاة ساخرة (باروديا)، وغيرها.

وككل سنة، يتم توجيه بعض الانتقادات إلى البرامج التلفزية، لاسيما الفكاهية منها، حيث يتساءل المشاهد عبر شبكات التواصل الاجتماعي عن المعايير المعتمدة في إنتاج هذه البرامج وفي انتقاء المواضيع المعالجة، لاسيما مع تكرار نفس السيناريوهات، وما يصفه البعض بضعف الإبداع الفني، بل وحتى اللجوء إلى نفس المقالب التي سبق وعرضتها برامج “الكاميرا الخفية” خلال مواسم متتالية.

ومن المفارقات اللافتة تسجيل البرامج الكوميدية لنسب مشاهدة عالية، مع إقبال المغاربة على إعادة مشاهدتها عبر منصة الفيديو (يوتيوب)، وهو ما يجعلها تتصدر قائمة ”التوندونس” المغربي، رغم أنها تشكل في نفس الوقت محط انتقادات واسعة من نفس الفئة التي تعكف على مشاهدتها.

وفي هذا الصدد، اعتبر رئيس النقابة الوطنية لمهنيي الفنون الدرامية، مسعود بوحسين، أن الانتقادات المرافقة دائما للإنتاجات الرمضانية لها أكثر من سبب، ومنها قلة القنوات الباثة للمنتوج الوطني بشكل يجعل إرضاء كل الأذواق والاختيارات أمرا صعبا، وكذا ضعف التنافسية.

وأضاف السيد بوحسين، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن مما يجر الانتقادات، أيضا، السرعة في تنفيذ الأعمال لربح الوقت وبالتالي اقتصاد التكلفة، وهذا من الأسباب الأساسية لبعض النواقص في الأعمال الكوميدية التي تحتاج وقتا كافيا للتنفيذ.

من جهة أخرى، اعتبر الممثل المغربي أن عوامل غير فنية تدخل في أحكام بعض الجماهير، تكون أحيانا مبنية على لذة النقد وليست على لذة التلقي الذوقي، وهو ما تفنده إحصائيات المشاهدة الواقعية، مضيفا أن جنوح بعض الفاعلين في المجال إلى انتقاد أعمال زملائهم بشكل حاد يشوش كذلك على عملية التلقي التلقائي.

وأشار بوحسين إلى أن الأعمال التلفزيونية خلال شهر رمضان يغلب عليها طابع الترفيه والتثقيف الذي لا يعني الابتذال، ولكن لا بد من التذكير أنها ليست مجالا حقيقيا للتحف الفنية إلا في حالة قنوات متخصصة أو كما هو حال السينما أو المسرح، فالتلفزيون يدخل البيوت، ولذا يسعى لإرضاء الذوق المشترك ما أمكن.

واستحضر رئيس النقابة الوطنية لمهنيي الفنون الدرامية، موضوع تدخل المستشهرين في الأعمال الفنية، حيث إنهم يعتمدون على ما يستحسنه المشاهدون، مما يقود إلى التكرار وضعف التجديد والتشابه أحيانا.

وفي نقطة أخرى، أشار الفنان المغربي إلى سيادة النماذج الجاهزة في بطولة الأعمال الدرامية المغربية من حيث الشخصيات الإيجابية البطلة وشكل جسدها بشكل إقصائي للنماذج الأخرى، مما يضعف تماهي أكبر عدد من الناس معها (سواء من حيث السن أو الجنس أو اللون أو الشكل أو الطبقة الاجتماعية).

وقال إن التخطيط الجيد للأعمال الدرامية ينبغي أن يراعي التنوع في الشخصيات البطلة الإيجابية والممثلين المؤدين لها، وهذا معمول به في الصناعات الدرامية القوية، بما يعكس تنوع شرائح المجتمع.

وبخصوص سبل الارتقاء بالأعمال الفنية المغربية وتطويرها، اعتبر بوحسين أنه من الضروري تجاوز مشكل ضعف التنافسية، مقترحا في هذا الصدد الفصل بين الإنتاج والبث من خلال خلق شركة وطنية للإنتاج، لأن النمط الحالي يقوي سلطة شركات تنفيذ الإنتاج دون ضمانات من قبل القناة المنتجة، زيادة على إضعاف أدوار المؤلفين (الكاتب والمخرج) وبالتالي الدخول في حسابات الربح والخسارة على حساب الجودة.

ودعا بوحسين إلى تحرير حقيقي للقطاع السمعي البصري لضمان التعدد والمنافسة والتوجهات المختلفة، وتقليص حاجة القنوات العمومية للإشهار، حتى يكون بوسعها العمل خارج أي إكراه تجاري يحول دون استقلالية توجهاتها.

وختم بوحسين بالتأكيد على أن المشكل يكمن عموما في طبيعة النموذج الاقتصادي للإنتاج الذي لا يلائم طبيعة الإنتاج الفني المبني على منسوب مرتفع من المغامرة الاقتصادية من طرف المنتج الفعلي، وهذا أمر لا يستقيم مع نموذجنا في المجال الذي يمنح الكل للمنتج المنفذ الذي لا يجازف بأي شيء.

ويضيف: هذا ليس معناه التقليل من أهمية المنتجين المنفذين، بل تحديد أدوارهم في الإشراف اللوجستيكي والتنظيم المرتبط بالإنجاز، وأن يتحمل المنتج الفعلي والمؤلفون المسؤولية الفنية.

اترك رد