الأمناء العامون للأحزاب ليسوا أنبياء في السياسة

بقلم: خديجة الكور (*)

يكاد النقاش في قضايا السياسة و الشأن العام يختزل منذ اقتراب أجل الاستحقاقات الانتخابية المقبلة في تبادل السب والشتم والقدف بين بعض الفرقاء السياسيين الذين حولوا المشهد السياسي إلى مشتمة جماعية في خرق سافر لأبسط أخلاقيات العمل السياسي.
وغالبا ما يتم التركيز في هاته المشادات الكلامية الشعبوية على شخص المسؤول الأول في الحزب، ماضيه، مساره، سلوكه وتصرفاته وكأنه نبي حزبه في السياسة أو شيطان مسلط على الأوطان والعباد، والحال أنه مجرد مدبر للحزب وناطق بإسمه، وأن قرارات الحزب تصنع في الأحزاب الديموقراطية داخل البنيات التنظيمية للحزب وطنيا وجهويا وإقليميا ومحليا، في انسجام مع مرجعية الحزب وتناغم مع انتظارات المواطنات والمواطنين وتواصل مع المناضلين والمنتسبين والمتعاطفين والكتلة الناخبة التي منحت ثقتها للحزب.
إن هذا السلوك الذي يؤشر على وجود أعطاب بنيوية في حكامة بعض الأحزاب وثقافتها الديمقراطية يساهم في تعميق أزمة الثقة ومزيد من الهوة بين الأحزاب وقواعدها الشعبية، لأن ما ينتظره المغاربة من الأحزاب ليس هو نقاش شهادة حسن السيرة من عدمه للرئيس الأول الحزب ولا من سيكون الأول أو الأخير، ولا كم عدد المقاعد التي يتكهن بعض عرافي السياسة بالظفر بها، وكأن لا وجود لإرادة الناخبين ولا من سيكون رئيس الحكومة، ومن سيكون متسلطا أو تقيا.
المغاربة ينتظرون من الأحزاب، ونحن في سياق دولي ووطني موسوم بتحولات جيو-استراتيجية كبرى وتشكل نظام عالمي جديد وأزمة سياسية، واقتصادية ،واجتماعية وقيمية، تفتح العالم على المجهول وللايقين، أن يطرحوا للنقاش تصوراتهم بخصوص تدبير حاضر الوطن واستشراف مستقبله وبلورة أجوبة ذكية ذات الصلة بتدبير تداعيات جائحة كوفيد، وتحقيق الإقلاع الاقتصادي وضمان الحماية الاجتماعية وبناء النموذج التنموي الجديد، وتحصين المكتسبات الديمقراطية وحماية الحريات وحقوق الانسان، والنهوض بأوضاع الشباب، ومحاصرة الفقر والهشاشة، وظاهرة العنف والجريمة والادمان على المخدرات، وضمان الحق في الصحة، والتعليم ،والشغل ،والنهوض بالعالم القروي وحماية وحدتنا الترابية وتحقيق حلم المغرب ليكون ضمن مصاف الدول الصاعدة وغيرها من التحديات والرهانات.
فأين نحن من هذا النقاش العمومي الذي يجب أن يعتمد على إشراك المواطن؟ وما موقع النخب والكفاءات الحزبية القادرة على الإسهام في بناء الرؤى والتصورات وفق مرجعيات الحزب، وميراثه السياسي ومحصلة تفاعله مع المواطنين في إدارة هذا النقاش حول برامج الأحزاب التي لا يمكن الاعتماد في بلورتها على مجرد مكاتب للدراسات، لأن المهم فيها أن تنطلق من الواقع المعيش وأن تستحضر إمكانات الحزب للالتزام بإعمالها حتى لا تكون مجرد وثائق مكتوبة بلغة رنانة تفتقد للرؤية السياسية، والقابلية للتطبيق وتسوق في حلة مطبعية جميلة تؤثث موسم الانتخابات؟.
أية مراهنة يمكن أن تكون على بعض الأحزاب التي تفننت في تهجير شبابها وإجهاض حلمهم في الإسهام في حكامة الوطن وتهميش الطاقات النسائية التي قررت ممارسة السياسة بأخلاق وتكميم أفواه نخبها وكفاءاتها، وإقصائهم من “لعبة الكبار” إلى جانب أصحاب المال الذين حولوا بعض الأحزاب إلى مكاتب توثيق لتحرير عقود زواج المتعة بين أصحاب المال والسياسة، تحت مسمى التزكيات في خرق سافر لمقتضيات نظامها الأساسي والداخلي.
ووسط هذا التيه والعبث السياسي الموسوم بغياب النقاش العمومي حول قضايا الشأن العام وإمتهان الشعبوية كأسلوب منتج للرداءة ومدمر للديمقراطية وقاتل لآمال المغاربة في التغيير ، ترتفع أصوات المواطنات والمواطنين في مواقع التواصل الاجتماعي “اتقوا الله في الوطن والمواطنين”.

(*) فاعلة سياسية

اترك رد