الرسائل الملكية إلى الجزائر في خطاب العرش

بالواضح - سعد ناصر

تابع الرأي العام الوطني والدولي بترقب واهتمام بالغين لخطاب العرش لهذا العام، بالنظر إلى عدد من الملفات والقضايا التي استأثرت بالاهتمام كقضية بيغاسوس والازمة الاسبانية والخلافات الالمانية، إلا أن خطاب الملك محمد السادس أظهر مدى كاريزيمية الشخصية الجديدة للمغرب، حيث أدار لكل تلك الملفات رغم أهميتها بالنظر إلى الأولويات الملحة بالنسبة للمملكة، على رأسها ترتيب البيت الداخلي للجوار المغاربي.

فتخصيص خطاب العرش لجزء هام  منه عن العلاقات المغربية الجزائرية، ووصف البلدين بالتوأمين المتكاملين يعكس مدى  جدية وحساسية الملف، فما يمس المغرب سيؤثر أيضا على الجزائر؛ لأنهما كالجسد الواحد. كما قال الملك محمد السادس.

ولكي نفهم مدلول خطاب العرش ورسائله لابد أن نضعه في سياقه السياسي، حيث لا يمكن تفكيك الخطاب بمعزل عن التطورات السياسية المغاربية والاقليمية، فمجمل الخطاب كان إيجابيا وبنّاءً حَمَل مجددا دعوة للجزائر من اجل فتح صفحة جديدة لبناء غد مغاربي واعد.

ومن هذا الباب فقد عرّج الخطاب على الحديث عن المناكفات التي شهدها البلدان الجاران مؤخرا، حيث أعرب الملك محمد السادس عن أسفه للتوترات الإعلامية والدبلوماسية، على خلفية ردود الأفعال الجزائرية المتشنجة إثر ازدواجية مواقفها من مبدإ تقرير المصير بعد تقرير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة عمر هلال بخصوص ملف القبايل خلال الاجتماع الأخير لدول عدم الانحياز، وهنا لابد من الاشارة إلى طبيعة الاسف المغربي هنا الذي أشار إلى التوترات الديبلوماسية والاعلامية بين البلدين وليس عن تقرير عمر هلال، فضلا عن أن الخطاب لم يُجب عن ملحاحية السؤال الذي طالبت به الخارجية الجزائرية حول الموقف المغربي النهائي من قضية القبايل، وإلا فلا يمكن اعتبار وقوع انفلات أو تضارب ديبولماسي في التعبير عن المواقف الرسمية للمملكة، وإلا أيضا فإنه سيسجل ثمة تراجعا مغربيا الذي لن يجره معه إلا تغولا جزائريا على حساب القضية الوطنية،  باعتبار ما تعمل له الجزائر من مناصبة العداء والاشتغال ليل نهار ضد مصالح الوحدة الترابية.

لذلك يأتي خطاب الصراحة والحكمة لوضع حد لهذا الواقع الراهن، حيث تم تجاوز خطاب الأمس بآخر أكثر واقعية بضرورة تجاوز الخلاف الذي فرّق بين البلدين عبر افتعال كيان وهمي الذي سماه الخطاب بالجسم الدخیل، الذي لا مكان له بينهما.

التوترات الراهنة التي تشهدها العلاقات بين البلدين، لن تولد إلا ردود أفعال مماثلة، ما قد يؤدي إلى تطاحنات ديبلوماسية وإعلامية، تسيء لصورتهما دوليا، والتي يبقى البلدان في غنى عنها، خاصة وأن طبيعة المواجع المفتعلة التي تثار بين الطرفين مشابهة، ولن تؤدي إلا إلى هدر في الإمكانات والزمن المغاربي التنموي.

على أي، وفي ظل الظروف الراهنة للعلاقات المغربية الجزائرية فقد أظهر المغرب من خلال خطاب العرش، كما في خطابات ملكية سابقة عن تفوقه التواصلي إضافة إلى المبادرة باقتراح حلول وبسْط أرضية من الودّ والإخاء، لتسهيل عملية المصالحة في أجواء مناسبة، ومواجهة الخلافات بوضوح ودونما مركب نقص من عقدة الماضي التي يبدو أن الجزائر مصابة بها ومشتبكة وسط خيوطها.

المبادرة الملكية بفتح الحدود تأتي لإشاعة وإعادة أجواء الثقة وحسن الجوار بين بلدين توامين متكاملين، خاصة مع تأكيد الملك محمد السادس بأن الشر والمشاكل لن ياتي الجزائر أبدا من جارها المغربي، كما لن يأتيها منه أي خطر أو تهديد؛ لأن ما يمسها يمس المغرب، وما يصيبها يصيب المغرب، وهذا ما يعد من أرقى اساليب النبل الأخوي والسياسي بين بلدين جارين، خاصة أمام ما يواجهما من تحديات كبرى كالهجرة والتهريب والمخدرات، والاتجار في البشر، فضلا عن فرص التنمية الحقيقية التي يتم إهدارها، والتي لن تتأتى كما يجب إلا بتصفية خلافات الأمس.

الأكيد أن الجزائر فهمت الخطاب واستوعبت رسائله جيدا، فهل ستواصل نهج سياسة الآذان الصماء، أم أنها ستستجيب هذه المرة وتقابل اليد المغربية الممدودة بالمصافحة على أمل المصالحة، لتبقى الوقائع ومعطيات اليوم، تفرض أكثر من اي وقت مضى على استجابة الجزائر وتفاعلها مع مبادرة الجار المغربي، الذي يبدو من خلال خطاب العرش، قد يسّر على الطرف الجزائري وأعانه على كل سبل الصلح، سواء من خلال رفع مسؤولية أخطاء الماضي عن جيل اليوم، أو من خلال عبارات الود والإخاء والتذكير بالمشترك الديني والعرقي واللغوي الذي يجمع البلدين التوأمين، فهل تستجيب الجزائر لتغليب منطق الحكمة والمصالح العليا بين البلدين.

اترك رد