السياسة الجمركية في مكافحة المخدرات

بقلم: مصطفى معتبر (*)

إن السياسة الجمركية تعد إحدى العناصر المكونة للسياسة الاقتصادية المتبعة من طرف الدول، والأداة الرئيسية التي تدير بها الدولة انفتاحها الاقتصادي على السوق العالمية المندمجة الذي أصبح حتميا في ظل المتغيرات العالمية الحالية.

ولكون إدارة الجمارك بوابة الاقتصاد الوطني فإنها تتولى القيام بدور مهم عبر ممارسة مهامها الرامية إلى مكافحة المخدرات، وحماية الاقتصاد الوطني، حيث تسهر على مراقبة عمليات استيراد وتصدير البضائع وتصفية وتحصيل الرسوم المستحقة عليها وتعمل على تنفيذ القوانين والأنظمة المتعلقة بمراقبة التجارة الخارجية والصرف، فضلا عن استخلاص الضرائب الداخلية على الاستهلاك والضريبة على القيمة المضافة المفروضة عند الاستيراد،كما تعد قوة اقتراحيه لصياغة إجراءات السياسة الحكومية في المجال الجمركي، وتحرص على تطبيق المقتضيات الجمركية للاتفاقيات الدولية التي التزم بها المغرب، وعلاوة على ذلك فإدارة الجمارك تساهم في خلق المناخ الخصب لتأهيل النشاط المقاولاتي وتحفيز الاستثمار، وفي هذا الإطار فهي تركز جهودها على تبسيط مساطر التعشير ومحاربة جرائم المخدرات والتهريب وغيرها من الجرائم الجمركية.

لذلك فالسياسة الجمركية تقع في بؤرة التحديات المطروحة حاليا إذ يتوجب عليها توفق بين الإندماج في السوق الاقتصادية العالمية وحماية نسيجها الاقتصادي الوطني، وكذا محاربة كافة الجرائم التي تواجهها، وقد لجأت السياسة الجمركية [1] بالاستعانة بالقواعد الجنائية الخاصة، بحيث تتدخل لتطبيق العقاب وزجر المخالفين للقوانين والأنظمة الجمركية طبقا لما هو متعارف عليه عالميا، وذلك كأداة لضمان فعالية ونجاعة هذه السياسة في محاربة الجرائم، خاصة جريمة المخدرات،لأنها عبارة عن نوع من السموم[2]، وتعد من اْخطر الظواهر التي تهدد مجتمعنا.

حيث تحدث المخدرات تدهورا في الصحة العامة والأخلاق لدى الشباب، وتبعت القلق في الأسرة، فأثار هذه الجرائم تتعدى حدود الضرر الفردي بل تطال المجتمع ككل من الأسرة إلى المدرسة والجامعة إلى ميادين العمل[3]، فلا تعرف حدود ولا تتقيد بمكان بالقدر الذي يمكن وصفها اْنها جريمة متعددة الجنسيات[4].

فلقد ساهمت العولمة بفلسفتها ونتائجها في إنتشار جريمة المخدرات، وذلك بتوجهها الذي يهمل القيم الإنسانية والروحية، ولا يعنى سوى بقيم الكسب والمال ويهمش الكثير من الشباب، ويضاف إلى ذلك قصور السياسات الجنائية التي كانت الدول تنتهجها، والقائمة على معالجة أحادية الجانب لجرائم المخدرات. كل هذا أدى إلى ظهور شبكات إجرامية دولية لتهريب وإنتاج وتصنيع المخدرات، مدعومة بموارد مالية ضخمة وشبكات معقدة من المصالح.

كما وترتبط المخدرات ارتباطا وثيقا بالجرائم، فكلما زادت المخدرات انتشارا كلما شهد المجتمع زيادة في الجرائم ،سواء ما يقع على النفس أو على المال أو على العرض والإعتبار، فهذا الوباء يزداد خطورة يوما بعد يوم بتهديده للشعوب في شبابها الذين هم حاضرها وضياع مستقبلها وأساس تقدمها وازدهارها.

فلم تعد مشكلة المخدرات شأنا وطنيا صرفا، بل إنها أصبحت تتخذ طابعا عالميا، حيث تخطط لإنتشارها عصابات دولية محكمة التنظيم تؤازرها إمكانيات مادية هائلة، وتضم جنسيات مختلفة تمكنها من مباشرة نشاطها في جميع أنحاء العالم وتسهل نقل المخدرات من مناطق الإنتاج إلى أي سوق استهلاكي في العالم، فالمخدرات تزرع في بلد وتصنع في أخر، وتنقل من بلد إلى بلد إلى أن تصل إلى سوق الإستهلاك.

وبالتالي أصبحت هذه الظاهرة، حديث الرأي العام في كل المجتمعات ومحط إهتمام كل الهيئات والمنظمات المحلية والدولية، مما دعا إلى تضافر الجهود السياسية والتشريعية بلوغا إلى الهدف المنشود في مجابهة هذه الظاهرة والقضاء عليها بكافة الطرق والوسائل المتاحة ،وإذا كانت هذه المجابهة تتسع لتشمل جهودا في ميادين شتى منها الثقافي والديني والإقتصادي والأمني فإن التشريع يبقى ميدانا من اْهم ميادين هذه المجابهة ،حيث يقوم بتجريم الأفعال المتصلة بهذا النشاط والعقاب عليها.

والمغرب كان وما ينفك من الدول التي سعت وتسعى جاهدة إلى محاربة هذه الجرائم وتطويقها على جميع المستويات الوقائية والزجرية منذ القدم وعبر تشريعات متوالية.

ويظهر ذلك عبر سنه لمجموعة من النصوص التشريعية المتصلة بهذا النشاط والعقاب عليه،ويتضح هذا من خلال اعتباره أن المخدرات هي بضاعة محظورة خاضعة لعملية المراقبة أثناء عملية التصدير، ومدونة الجمارك اعتبرتها بأنها جنحة من الطبقة الأولى وخصصت لها الفصلين 279 المكرر و279  المكرر مرتين، كما يتضح من خلال تصنيفه للمخدرات ضمن المواد السامة في ظهير الشريف 2 دجنبر 1922، وفي نفس السياق صدر قانون 21 أبريل 1954 الذي فك من خلاله المشرع لذلك الارتباط التقليدي بين التبغ والكيف، والظهير 21 ماي1974 المتعلق بزجر الإدمان على المخدرات ووقاية المدمنين عليها،وظهير شريف بمثابة قانون (9 أكتوبر 1977) المصادق بموجبه على مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة.

إلا أنه رغم كل ذلك فإن وثيرة إزدياد إنتشارالمخدرات جد سريعة وبصورة مستمرة كما تشير لذلك بوضوح الإحصائيات الوطنية .[5]

ومما يزيد في المساهمة بإنتشار تجارة المخدرات وصناعتها في مختلف البلدان ،التشبت بمبدأ إقليمية القانون الجنائي بشكل مطلق،الأمر الذي خلق ثغرة مكنت الجناة من الإفلات من العقاب بمجرد مغادرتهم البلد محل إرتكاب الفعل الجرمي إلى البلد الأخر،فكان مبدأ الإقليمية يعترض طريق القضاة وعملهم، دون أن يتمكن من إعتراض طريق الجناة.[6]

وأمام هذه الوضعية الخطيرة أقنعت الدول بضرورة توحيد جهودها على مختلف الجهات، كما أمنت بأن المجهودات الفردية للدولة لا يمكن أن تأتي أكلها للقضاء على هذه الظاهرة، إلا إذا صاحبها تعاون قضائي فعال ومتميز بين البلدان، على إعتبار أن القضاء يعد حجر الزاوية في أي عمل يستهدف مكافحة ظاهرة المخدرات[7].

وبالتالي فإن مجموعة من المنظمات والمؤسسات الدولية عملت على إبرام إتفاقيات ومعاهدات كإثفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الإتجار غير المشروع للمخدرات والمؤثرات العقلية 1988 وكذلك إثفاقيات العربية المصادق عليها بمقتضى ظهير شريف رقم 178. 96 .1 بتاريخ 29 من الربيع الأول 1422 (22 يونيو 2001 ).

وإعتبارا لهذه المعايير فإن هذه الدراسة ستنصب على موضوع السياسة الجمركية في مكافحة المخدرات لكون نظامها الجمركي هي الأداة التي يعتمد عليها إقتصاد أي دولة في تنفيذ سياستها والمتمثل في إرشاد القواعد القانونية والتنظيمية التي تطبقها الإدارة لحماية الإقتصاد بمكافحة المخدرات، ناهيك عن أن موقع المغرب الجغرافي يتم استغلاله لتهريب المخدرات من طرف العصابات الناشطة في هذا المجال، الأمر الذي فرض على المغرب تسخير كل مؤسساته الحكومية وغير الحكومية من أجل تفعيل هذه السياسة ومنحها خصوصيات هامة تنفرد بها سواء من حيث تشديد العقاب في حق مقترفيها عقابا لايطال حرياتهم فحسب وإنما يمتد إلى متحصلاتهم وعائداتهم من هذه الجرائم،وذلك لكونها الأداة الكفيلة بردع مجرمي الأعمال الذين يسعون إلى الحصول على الأموال بطرق غير مشروعة فيعاملون بنقيض قصدهم،وتماشيا مع هذا الواقع فقد أسند المشرع المغربي إلى جانب المهام الأساسية المعهودة لإدارة الجمارك في تدخل هذه الأخيرة في تطبيق العقاب وزجر المخالفين للقوانين والأنظمة الجمركية طبقا لما هو متعارف عليه عالميا،وهذا ما أشار إليه الفصل 204 من القانون الجنائي الجمركي والفصل 110 من القانون الجنائي العام.

كما يغلب على القانون الجمركي الطابع المادي بحيث تتحقق الجريمة الجمركية في الغالب بمجرد تحقق مادياتها دون حاجة للبحث في توفر سوء النية، أما من حيث الجزاء نجده بالإضافة إلى العقوبات الجنائية الأصلية والتكميلية يوجد تدابير احتياطية والتي يمكن أن تصدر إما بقرار قضائي أو إداري بأمر من الإدارة الجمركية ،وتتسم كذلك بالطابع إقتصادي لأنها تتصل بالنشاط الإقتصادي والمالي للدولة،ولاسيما ما للسياسة الجمركية من ثأثير على السياسة الإقتصادية التي تتبعها الدولة لتمويل مرافق العامة، وتنفيذ مشاريع التنمية داخل الوطن.

كل هذا دفع بالسياسة الجمركية المغربية كما سبق القول، باستعانة بالقواعد الجنائية الخاصة لتكون بذلك ما يسمى بالقانون الجنائي الجمركي الذي يعتبر كأداة لضمان فعالية ونجاعة هذه السياسة وبالنظر إلى الطابع النفعي والإقتصادي الذي يهيمن على السياسة الجمركية من خلال مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة،فقد تحررت هذه الأخيرة من بعض القواعد العامة المقررة في القانون الجنائي العام كتمتعي إدارة الجمارك بالصلاحيات المطلقة في تحريك الدعوة العمومية مثل تقديم الطلب وإبرام عقد المصالحة دون أي رقابة أو تدخل من طرف القضاء بل إنها تستطيع التنازل بعد رفع الدعوى.

في خضم ما تطرحه المخدرات من إشكالية العصر الحديث بإمتياز فقد أصبح من لازم التأكيد على أهمية مكافحة المخدرات لما لهذه الجريمة من أثر على الإقتصاد الوطني، فهي تخل بموازنة الدول وتؤخر عملية التنمية الإقتصادية، لدرجة لم يعد بوسع المجتمعات الإنسانية تجاهلها بالرغم من تباين توجهاتها السياسة والإقتصادية، وإختلاف قيمها وتقاليدها.

فجرائم المخدرات تقف حاجزا أمام تحقيق أهداف الدولة السياسة والإجتماعية والإقتصادية، مما جعل من الأهمية دراسة السياسة الجمركية في مكافحة المخدرات بإعتبار أن إدارة الجمارك هي من أكثر المؤسسات معرفة بحجم الظاهرة وخطورتها، لأن العمل في الجمارك يختلف عن الكثير من الجهات الحكومية الأخرى، فهو كيان أمني بالدرجة الأولى، وداعم إقتصادي حيوي، وعليه يكون القانون الجمركي أكثر القوانين تأهيلا لتحقيق هذه السياسة في مكافحة المخدرات، خاصة إذا ما علمنا أن المغرب له من الأليات التشريعية التي يمكن إعمالها من طرف الأجهزة القضائية لنفس الغاية.

 كون ظاهرة المخدرات تعد من أخطر المشاكل التي تواجهها الدول، وبالدور الذي يمكن أن تلعبه السياسة الجمركية في مكافحة هذه الظاهرة بشتى أصنافها.

الإيمان بمسؤولية إدارة الجمارك وبقدرتها على المساهمة في مكافحة المخدرات على الصعيدين الوطني والدولي كيف لا؟ وهي تعتبر أحد أهم أجهزة الدول في تحقيق السياسات الإقتصادية والمالية والأمنية التي تسعى الدول إلى تحقيقها، وذلك بحكم موقع الجمارك في المنافذ الحدودية وكونها الجهة الحكومية الأولى التي تتولى معاينة الإرساليات الواردة فقد أهلها هذا الموقع الفريد بأن تكون الأداة الملائمة للإشراف على حركة دخول وخروج البضائع ووسائل النقل من وإلى الدولة بهدف التأكد من أن دخول جميع السلع ووسائل النقل إلى الدولة أو خروجهم منها قد ثم حسب الأنظمة المطبقة، وذلك من خلال الإلتزام بتطبيق أحكام قانون الجمارك والقوانين والإتفاقيات الأخرى ذات العلاقة على البضائع ووسائل النقل في المنافذ الجمركية للدولة برية وبحرية وجوية.

إننا مطالبين أكثر من أي وقت مضى بمكافحة آفة المخدرات، ولن يتأتى ذلك إلى من خلال مكثافة الجهود أكثر، لأن كل تأخير أو تقصير في هذا الميدان سيهدد لا محالة مستقبل هذا البلد، وسيجعل الأجيال اللاحقة تؤدي الثمن أضعافا مضاعفة، فإذ لم يكون المشرع الجمركي هو من يسعى لهذا فمن؟ وإذا لم يكن الأن فمتى ؟.

إذا كان المشرع المغربي قد سعى إلى تحديث وتقوية ترسانته القانونية في الميدان الجمركي قصد حماية الإقتصاد الوطني من التهديدات المتعلقة بالإتجار في المخدرات وحماية المجتمع من المخاطر التي تهدد الصحة والأمن وذلك بالتعاون والتنسيق مع الأجهزة الأمنية الأخرى، لضبط المهربين والمتعاونين معهم بالجرم المشهود، فإن الإشكال المحوري الذي طرح هنا نظرا لتشعب نوعية العمل في الجمارك هو إلى أي حد كانت هذه الترسانة كافية لضمان فعالية هذه السياسية الجمركية ؟وهلا إستطاعت إدارة الجمارك أن تمثل إرادة المشرع نحو تعزيز هذه السياسة بتوفير خدمات متميزة في هذا المجال، حتى تتمكن من سد الثغرات التي تعتريها؟ وللإحاطة بمضامين هذه الإشكالية الجوهرية التي يطرحها الموضوع، كان لابد من مقاربة بعض الإشكاليات الفرعية المتفصلة عنها، والتي نجملها فيما يلي:

ماهي الطبيعة القانونية لأركان جريمة المخدرات، وما هو الأساس التي تقوم عليه المسؤولية في القانون وحالات الإعفاء منها؟ ومدى فاعلية السياسة العقابية المطبقة في المخدرات؟والعقوبات المقررة في التشريع الجمركي؟ وما هي الأليات المتوفرة لإدارة الجمارك لمكافحة المخدرات،وكيف يساهم العنصر البشري أي الموظف الجمركي في سير عمله؟بالمقابل هل توجد عراقيل تعترض السياسة الجمركية في مكافحة المخدرات؟ وإن وجدت ماهي الحلول المقترحة لتفادي هذه العوارض من أجل تعاون أفضل؟

هذه الأسئلة وغيرها سنحاول الإجابة عنها عبر فصول ومباحث ومطالب وفقرات هذا البحث وفق خطة هندسية تعتمد على التقسيم الثنائي القائم على الفصلين.

————————————————————————————————————

(*)  طالب باحث في سلك الدكتوراه – كلية الحقوق طنجة

[1] عبد الوهاب عاقلاني:القانون الجنائي الجمركي :رسالة لنيل دبلوم الدارسات العليا المعمقة ، كلية الحقوق بالدار البيضاء ، السنة الجامعية،2000  -2001 ص:161 .

[2] Dr .Harry feldmann.les stupéfiants t Les toxicomanies. Revue internationale De criminologie et de police technique .vol.19.janvier .Mais 1965

[3] محمد مرعي صعب :جرائم المخدرات،منشورات زين الحقوقية بيروت ،لبنان طبعة :2007  ص:7.

[4] – p .williams : des multinationales du crime et le trafic des drogues, bulletin des stupéfiants, volume X IVI.IV2.Année 1994 , Page ;10

[5] -عبد الرشيد الزبيري:المخدرات بين القانون والواقع،الرسالة المحاماة ،العدد 7،أكتوبر 1990،ص:142.

[6] محمد أغربي :ماهية التعاون القضائي الدولي .مقال منشور بمجلة القضاء والقانون،مطبعة الأمنية ،الرباط ،العدد.159.ص:39.

[7] -J.-C. .crimal .L’économe mondiale de drogue .Editioncoll.paris1993.p.67

اترك رد