المهرولون إلى النقب المحتلة وأوهام السلام المختلة

بقلم: الحبيب عكي

المشاكل والمعضلات العربية المزمنة والمتفاقمة، والتي اشتكت وتشتكي وثارت وتثور من أجلها الشعوب العربية، مشاكل سياسية واجتماعية.. اقتصادية وتربوية.. داخلية وخارجية، لم يحن عند المسؤولين الحكام أوان حلها ومعالجتها ولا حتى التفكير فيها والتخفيف منها، وليس لديهم – حسب زعم الزعماء – إمكانيات ذلك ولا حتى وقته، فبالأحرى إرادته وعزيمته، ارتفاع الأسعار.. تفشي البطالة.. الهجرة السرية والقضاء في الأعالي.. الفقر والهشاشة.. التطرف والاهاب وأسبابه الحقيقية.. الاضطرابات المناخية.. سلحفية التنمية والعدالة الاجتماعية والمجالية..؟، إلا التطبيع والهرولة إلى فضائحه و فظائعه، خيانة الأمة وطعن القضية والعنترية في تقديم تنازلاته والغرق في أوحاله والقبول بأوهامه، فدائما هناك شجعان على حد قولهم :”سلام الشجعان ولو من الكرطون والتيهان”؟.

ذلك ما تجرأت على الاقدام عليه دون خجل ولا وجل جوقة التطبيع العربي التي حلت اليوم مهرولة بصحراء “النقب” المحتلة بين بئر السبع في الجنوب الفلسطيني و وادي عربة نحو الأردن، وهي من أراضي فلسطين 48 التي التهم منها الكيان الصهيوني الغاصب أزيد من 95% ، وجاءها بيادق التطبيع اليوم تحسبهم جميعا وقلوبهم ممزقة، أمريكا ترعى صفقة القرن وتحكم توجيه صفعتها للجميع وهي تدعي ضرورة استئناف المفاوضات، والكيان الصهيوني القاتل الغاصب يبرء نفسه من كل عراقيله التفاوضية واعتداءاته الميدانية ويبديها حمام السلام.. بل وزعيم حلف السلام، والإسلام السياسي المجاهد هو العدو المشترك من “حماس” السنية إلى “إيران” الشيعية ومن لف لفهما وكل الشعوب الرافضة للتطبيع كذلك، وينتشي ضباط الإيقاع العربي الخليجي المهزوم ويرقصون طربا على هزيمتهم وأنغام وألغام “أه يا ليالي، كم أضعنا من عقود وليالي”، ومنهم طرشى في الزفة لا يدرون من الأمر إلا أن قيل لهم جيئوا فجاؤوا، ورفعا لكل لبس في قبول الصفقة والمقايضة بالقضية، يبدي “الزطاط” المغربي أنه صاحب القضية وأن دماء شعبه تجري في دماء المستوطنين الصهاينة، ناسيا موقف شعبه النبيل ودعم بلاده التاريخي للقضية، التي رفعها بكل شرف ومسؤولية إلى مصاف القضايا الوطنية، وهو بتصريحه المجاني العدواني يجيز الصهاينة على كل ما هدموا وحطموا.. وشردوا وعربدوا.. وإن زعموا غير ذلك؟.

من قال أن هذه الصحراء مقفرة في العالم وهي منتجع المنتجعات، على قول المسرحي المبدع وهو يجسد فيها اللحظة القمة المأساة ويقول:” من هذا المكان المقدس في كل العالم.. في طابقه المائة والخمسون.. آخذ الميكروفون.. صمت.. أهوي بالمطرقة على المنصة.. صمت.. أطلق الرصاص على المبادئ والأحلام.. أبدد الحقائق والأوهام.. صمت.. “طاق طراق طاق”.. صمت.. وسقط طائر أزرق.. فلنصلي عليه صلاة الجنازة.. يجوز.. لا يجوز.. وعلا الهرج والمرج في “النقب” .. صمت.. ههييهه.. أو تصدقون أن في صحراء “النقب” طائرا حتى يكون أبيضا أو أسودا، ليس في صحراء “النقب” غير الأوهام.. بسم الله نعلن المبادئ والصفقات.. “أبراهام” عراب البلدان يرسم الخرائط ويوزع الصفقات.. ونحن مثله نقبل الخرائط ونستأنف المفاوضات.. بسم الله نعلن الصفقات ونحكم الصفعات.. بسم الله الذي تشفعت به كل الأسماء، فتعالت الأوهام في الأرض وفي السماء؟؟.

أي سلام تتحدثون عنه يا جوقة المطبعين في “النقب” المستوطنة، ولم يكن في كامب ديفيد (79).. ولا مدريد (81).. ولا أوسلو (93).. ولا طابا (01).. ولا المبادرة العربية (02).. ولا اللجنة الرباعية وخريطة الطريق (03).. ولا.. ولا..، فكيف يمكنكم في “النقب” الهزيمة والصفعة؟. وهب أنكم قد حققتم السلام في أوهامكم على الأقل ( سلام التيهان أيها الشجعان)، فهل بمقدور هذا السلام الاستسلام أن ينهي الاستعمار الصهيوني ولازال يلتهم الأراضي وعلى رأسها “النقب” التي تهوي بكم وأنتم تشعرون ولا تشعرون؟، هل سيسوي إشكال اللاجئين بالملايين ويمنحهم حق العودة كما يمنح لعدهم حق الهجرة والاستيطان؟، هل سيوقف معضلة هذه المستوطنات وهي كالأفعى الكبرى تلف أزيد من 70% من أراضي فلسطين، هل سيحرر السجناء من سجون العدو وهم بالآلاف والآلاف ولعقود وعقود؟، أين هذا السلام المزعوم وحلفه المطبع من القصف والهدم اليومي والحصار والحواجز الأمنية العنصرية في غزة والضفة ، من جرم تهويد القدس وتخريب المسجد الأقصى لرفع الهيكل مكانه؟، من عدم قيام الدولة الفلسطينية طوال كل هذه العقود العجاف من تاريخ المفاوضات؟ ولماذا شرط عزلها من الجيش والسلاح والحدود وكل ما يتصل بالسيادة؟.

اعقلوا يا مجانين العرب، أفيقوا من خمرتكم وما ذهبت به دعاية الإعلام بعقولكم، وأساله لعاب الصفقة من أمانيكم وحلم ازدهاركم وأداء ديونكم وتحسين اقتصادكم، أو أغراكم به مغري فتشبثتم بكراسيكم الدوارة ولو على حساب وحدة شعوبكم وتضامن أمتكم، الكيان الصهيوني الطفيلي اللقيط هو سبب كل المشاكل في المنطقة، هو من احتل أرض فلسطين، بل وأراضي جيرانها في الأردن ومصر وسوريا.. وليست “إيران” التي رغم كل ما لها وما عليها فقد تعايشت مع شعوب المنطقة في الغالب بسلام، وليست هي من تغزو “اليمن” السعيد، ولا “سوريا” المجيدة، ولا “ليبيا” الشهيدة ولا “السودان”، من مزق جنوب السودان عن شماله، واستقوت به “اثيوبيا” في بناء أعظم سد على مياه النيل المصري العظيم، من غير الكيان الذي لا يعرف غير خلق الأزمات والاصطياد في المياه العكرة؟، وأمريكا، كيف ستأتي بالسلام وكل ما لديها صفقتها الصفعة، ودون إحياء الذاكرة القديمة وما لطخها من رعاية وتسليح الكيان الصهيوني على الدوام، فهي التي أغلقت ولا زالت مكتب منظمة التحرير في أراضيها، ومنعت الراحل “ياسر عرفات” من دخولها، ومنعت في عهد “ترامب” ولا زالت في عهد “بايدن” ما كانت تمنحه من المساعدات للفلسطينيين، وكم مرة في مجلس الأمن استعملت ضدهم حق “الفيتو”، آخرها في عدم إدانة بناء المستوطنات ضدا على كل الإجماع العالمي الذي رأى بعدم شرعيتها وضرورة توقيفها؟.

لكن الحمد لله، أن للأرض رب يحميها ولفلسطين شعب يفديها، فلا تهبوا ما ليس لكم لمن لا يستحق، ولا تعدوا بما ليس في أيديكم لمن لا يحق، واعلموا أن كل الشهداء ترفض قمتكم المهزلة وهرولتكم المخزية ضد إرادة الشعوب والقضية، تلفظ ناديكم وحلفكم المهزوم وما تأتون فيه من المنكر والفساد ضد خيار المقاومة والتضحية.. كل الثكالى.. كل اليتامى.. كل المشردين والمهجرين.. كل المحاصرين في بلدهم ولا يستطيعون العبور إلى ذويهم في غزة والضفة.. في القدس والأقصى.. بل إلى الجامعات والمستشفيات خارج الحدود.. بل إلى الحقول والمزارع في الداخل فقط وهي تحول دونها الحواجز وتلفها المستوطنات وتخنقها الدوريات؟. كل المبادئ والقيم الإنسانية.. كل القوانين والشرائع السماوية.. كل الشعوب الحرة الأخوية والصديقة.. كل الأرض في يوم الأرض.. ترفضكم.. تلفظكم.. فتبا لكم، أيتها الأنظمة المساومة، لن تجبروا الشعوب المقاومة على التطبيع، واسمعوا صرختنا في وجوهكم مدوية: “فلسطين أرضي حرة.. والصهيون يطلع برا”، فبتكوا بها آذانكم، وكل قمة والمطبعون جبناء خونة.. وفلسطين في العيون.. طال الزمن أو قصر فهي كما كانت وقفا إسلاميا لكل المسلمين، لا تباع ولا تشترى.. حرة كانت وستكون لا تضام ولا تهان؟.

اترك رد