بيان “علماء” العسكر الجزائري: من البلطجة إلى أخطاء الإعدادي

بقلم: د. عبدالله الجباري

سئل العلامة الدكتور أحمد الريسوني من قبل موقع إلكتروني عن قضية الصحراء المغربية، فأجاب بما بدا له الصواب فيه، وتطرق إلى الموضوع بحماسة معروفة عند المغاربة في هذا الموضوع، وبيّن أن الأمر ليس خاضعا لثنائية موالاة ومعارضة، وإنما هو أمر وطني في قضية وطنية يلتف حولها الجميع، والكل مستعد للتضحية من أجلها بماله ونفسه، وأن المغاربة مستعدون للتعبئة في مسيرة مليونية كمثيلتها في السبعينيات، بل هم مستعدون لمسيرة إلى تندوف.
وبما أن القيادة والنخبة الجزائريتين تدرك أن تندوف منطقة مغربية تحت السيادة الجزائرية بشرعية استعمارية، فإنها تتعامل مع ذكر تندوف بحساسية مفرطة، وتتوجس لمجرد ذكر اسمها، لذا انتفض الحكام في الجزائر من هذه الكلمة العابرة في الجواب عن هذا السؤال العابر، وبدل أن تظهر القيادة الجزائرية في الملف، استخدمت الدروع الواقية، فشغّلت الإعلام الرسمي والإعلام الرقمي والإعلام الورقي، واستخدمت “العلماء” على اعتبار أن صاحب التصريح منهم، واستخدمت الأحزاب الإسلامية على اعتبار أن صاحب التصريح قيادي سابق في حزب إسلامي، وقبل هذا وذاك، استخدمت الذباب الإلكتروني لخلق رأي عام حاضن لهذه الانتفاضة الإلهائية، التي لا همّ لها سوى إلهاء الشعب الجزائري عن قضاياه الحقة، وهو الشعب الذي مرّ ويمرّ بأزمات خانقة، فحتى البطاطس توزع بقرارات حكومية وبإشراف حكومي. وقرار تنظيف مجاري الصرف الصحي لاستقبال مياه الأمطار وتلافي الفيضانات يُتداول في مجالس الحكومة برئاسة رئيس الدولة، مع العلم أن هذه القضايا ومثيلاتها لا تُناقش إلا في المجالس المحلية.
نقول هذا والأسى يعتصرنا على شعب عظيم يرزح تحت نير السطوة العسكرية التي لا تبقي ولا تذر.
الريسوني والصحراء… موقف قديم.
سبق للعلامة الريسوني أن ناقش قضية الصحراء، وخصها بمقالات، منها مقال منشور يوم 22 يونيو 2005 بعنوان “الشعب الصحراوي من المحيط إلى الخليج”، ومما قال فيه: “منذ أن ظهر هذا الوصف الغريب ــ الشعب الصحراوي ــ والمصطلح الآخر الأشد غرابة، وهو اسم “الجمهورية الصحراوية”، وأنا أتأمل وأتعجب: إلى أي حد يستطيع الترويج والتضليل أن يختلق أوهاما وأحلاما، وأن يكسب لها أنصارا ومدافعين، وإلى أي حد تستطيع صناعة الأوهام والأضاليل أن تسحر أعين الناس وعقولهم، هكذا يفاجأ التاريخ وتفاجأ الجغرافية بشيء يولد من لا شيء، أو لا شيء يخرج من شيء، فنجد حديثا متصاعدا عن “الشعب الصحراوي”، وعن “الجمهورية الصحراوية”، يا للعجب، كيف هذا؟ من أين هذا؟ بل أين هذا؟”
ثم استرسل في مقاله وتحدث عن الخلفية الاستعمارية قائلا: “إذا كانت المشاريع الاستعمارية والمخططات التمزيقية والآلة الإعلامية قد ألصقت بإخواننا وأشقائنا في الأقاليم الصحراوية الجنوبية صفة “الشعب الصحراوي”، وخدعت كثيرا منهم بهذا الوهم وهذا السراب، فنحن بنفس المنطق نستطيع أن نتحدث عن الشعب الصحراوي لصحرائنا الشرقية، وعن الشعب الصحراوي لصحرائنا الوسطى والشمالية، وعن الشعب الأطلسي الذي يقطن جبال الأطلس …”،
بعد ذلك وجّه نداءه إلى أبناء الصحراء الجنوبية قائلا: “يا إخوتنا وأشقاءنا وأبناء صحرائنا الجنوبية، لندع المتآمرين والمتاجرين، لندع ذوي الطموحات والتطلعات، ولندع حتى الحزازات والتظلمات، فلها بابها وحديثها، ولنبصر بوضوح وجلاء أننا شعب واحد، ودين واحد، ومذهب واحد، ولغة واحدة، وثقافة واحدة، وتاريخ واحد، وجغرافية واحدة، بل أسرة واحدة وقبيلة واحدة. لنتذكر ما يدركه حتى الأطفال في مدارسهم وبيوتهم أن التفرقة والتمزق والانقسام والتقسيم لا يعني ابدا سوى الاستنزاف والضعف والهوان والتبعية والتفاهة التاريخية، انظروا إلى شعب صحراوي مجاور يتكون من بضعة ملايين وله حدود طويلة عريضة، ومع ذلك، فإن الاستقلال المسموم الذي قدم له لم يطعمه من جوع ولا آمنه من خوف، فكيف بمن هم دون ذلك بمرات عديدة؟
يا إخوتنا واشقاءنا، إننا نعرف ويجب أن نعترف أنكم عانيتم من سياسات مؤسفة وتصرفات متعسفة ومظالم مرة، ولكن هذا كله قلّ أو كثر لا يسمح لنا في ديننا وقوميتنا ووطنيتنا وفي مستقبلنا ومصالحنا العليا أن نسقط لقمة سائغة وأداة طيعة في أيدي المغامرين والمتآمرين من أعدائنا أو حتى من بعض أبنائنا وأقاربنا”
هذا الكلام الذي كتبه الريسوني منذ عقدين من الزمان لم يتغير، فالكلمة الأخيرة يعني بها الجزائر، والشعب الصحراوي المجاور الذي أعطي استقلالا مسموما هو موريتانيا، والخلفية الاستعمارية حاضرة، وعبارات الوهم والسراب والتضليل حاضرة بقوة، لأن الجمهورية المقصودة هي جمهورية وهم.
فالريسوني هو الريسوني، ومواقفه هي مواقفه، مما يدل على أن انتفاضة العسكر الجزائري وذبابه و”علماءه” ليست سوى زوبعة في فنجان، يحاول أن يلهي بها الشعب الجزائري العظيم عن قضاياه الحقيقية.
علماء الجزائر … تلاميذ الإعدادي.
طالعت بيان علماء الجزائر المنضوين تحت لواء الاتحاد العالمي لعلماء الجزائر المؤرخ ب23 غشت 2022/25 محرم 1444، وقد توصلت به وأنا في الشارع، وطالعته بدون تركيز فوق الرصيف أمام المارة، فأرجع ذاكرتي إلى سنوات الإعدادي، بعد أن استفزني بخطأين لا يقع فيهما إلا علماء العسكر.
أولهما قول علماء العسكر في ديباجة البيان: “تابعنا نحن علماء الجزائر ودعاتها [المنخرطون] في مؤسسة …”، وغني عن البيان أننا درسنا في سنوات الإعدادي درس المنصوبات، ومنها المنصوب على الاختصاص، وهو ما يفرض عليهم أن يقولوا [المنخرطين]، وهذا خطأ قد يغفل عنه العالم الأول والثاني، أما ألا ينتبه إليه أحد من العلماء والعالمات الذين يتجاوز عددهم العشرين، فأمر مستغرب.
أما ثانيهما، فقول علماء العسكر في الصفحة الثالثة: “في بلاد الإسلام وأرض المهجر”، والصواب أن يستعملوا كلمة “مهاجَر”، لأن الفعل “هاجر” رباعي، واسم المكان من الرباعي يصاغ على وزن المضارع مع إبدال حرف المضارعة ميما مضمومة وفتح ما قبل الآخر، ومنه نقول: اسم مكان “سافَر” هو “مُسافَر”، وليس مسفر، واسم مكان “هاجر” هو “مهاجر”، وليس مهجر.
ولو كان أصحاب صياغة البيان علماء حقا، لطالعوا في كتب السيرة قول العلماء الحقيقيين عن المدينة أنها “مهاجر النبي صلى الله عليه وسلم”، ولم يقولوا “مهجر” لعدم إصابتهم بلوثة الرطانة.
ونحن نحترم علماء الجزائر، وأقصد علماء الجزائر الحقيقيين، فهذا العلامة البشير الإبراهيمي رحمه الله الذي لا يلحن أبدا يقول عن جامع الزيتونة بأنها “مهاجر الجزائر للعلم”، ولم يقل “مهجر” لسلامة عقله وسلامة لسانه، رحمه الله تعالى.
علماء يقعون في مثل هذه الأخطاء التي اكتشفتها في قراءة عجلى وأنا على الرصيف حري بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أن يتبرأ منهم وأن يقيلهم، أو أن يُخضعهم لدروس التقوية في اللغة العربية قبل استفحال دائهم.
“علماء” العسكر … القول والقول المضاد.
بعد انتفاضة العسكر الجزائري وذبابه و”علمائه” ضد كلمة واحدة صادرة عن رجل واحد، استدعي لوسائل الإعلام “العالم” أبوجرة سلطاني، ووجه إليه المذيع سؤالا حول القرار الأفضل لعلماء الجزائر: الانسحاب أو الاستمرار في الاتحاد، فأجابه بأن الأولى هو الاستمرار، لأن سياسة المقعد الفارغ لا تفيد.
الآن، تغير أبوجرة سلطاني بعد أيام قليلات، وأعلن تعليق العضوية وعدم المشاركة في أي نشاط في ظل رئاسة الريسوني، وهذا نفسه منهج المقعد الفارغ، فمن الذي أقنع أبوجرة سلطاني ليغير موقفه في قليل من الأيام؟
غني عن البيان أن أبوجرة سلطاني رجل سياسي سياسوي، مستعد لقول الشيء ونقيضه، ومنذ مدة حل بالمغرب وصدرت عنه مواقف عن الصحراء غير متوافقة مع أجندة العسكر، ولما رجع إلى بلاده عوتب عتابا شديدا، وصرح بتصريحات مناقضة لتصريحاته التي أدلى بها في الرباط.
فهل هذا رجل مبادئ يمكن أن نلتفت إليه؟ وهل يهمنا توقيعه على مثل هذا البيان لـ”علماء” الإعدادي؟
ولنا وقفة أخرى مع أبو جرة سلطاني، فإنه وعموم الموقعين على البيان يفرضون على الريسوني أن يتماهى مع الاتحاد العالمي وألا تصدر عنه أي مواقف إلا إن كانت مواقف الاتحاد، وهذه ستالينية في الرأي، وأول من يرفضها هو قائلها أبوجرة سلطاني نفسه، فإنه صرح سنة 2010 لجريدة هسبريس بموقفه من قضية الصحراء، وكان هذا الموقف مناقضا لموقف العسكر، وكذا للموقف الرسمي لحزبه المشارك حينها في الحكومة، ولما استُفسر عن ذلك قال: “لا بد من التمييز بين الموقف الشخصي الذي لا ينصاع إلى توجيهات حزب سياسي نابع من موقف جماعي لحزب ما”، وأضاف قائلا: “أنا شخصيا لي موقفي من الصحراء الغربية أو المغربية، سمها كما شئت، وهو رأي مستقل عن موقف الحزب”.
هنا يبيح أبو جرة سلطاني لنفسه ألا يتماهى مع مواقف حزبه الذي يرأسه، بل يبيح لنفسه أن يتبنى موقفا مناقضا لموقف حزبه، وفي بيان علماء السلك الإعدادي، يفرض أبو جرة سلطاني على الريسوني أن يتماهى مع رئاسة الاتحاد وألا يدلي بأي موقف شخصي.
أهناك خبل أكثر من هذا؟ أم أن علماء العسكر أصحاب هوى يميلون معه حيث مال؟
وعموما، فأبو جرة لا يشرف الاتحاد العالمي، وهو بالأمس القريب كان وزيرا مع العصابة التي نبذها الشعب الجزائري، وهو الوزير المنبوذ في الجزائر، وقد طرده الشباب الجزائري من ساحة عمومية بباريس، ورفعوا في وجهه شعار: ارحل يا سارق، وهو الذي فلت بجلده من التحقيق القضائي بجنيف بعد أن رفع ضده أنور مالك قضية حول تعذيبه. فهل شخص كهذا يشرف أولئك “العلماء” أن يضعوا اسمهم مع اسمه؟
علماء إسلاميي العسكر.
من العلماء الموقعين على البيان، نجد أبو جرة سلطاني المذكور، وهو الرئيس السابق لحمس، ومعه بلخير طاهري الإدريسي، وهو عضو سابق في مجلس شورى حمس، وحمس حزب إسلامي أنشأه العسكر لمواجهة الإسلاميين الحقيقيين، ففي ص 64 من كتاب (وثائق سنين الدم) لصاحبه محمد سمراوي يقول: “لقد كانت إحدى المهمات الأولى لـ DRS [جهاز مخابراتي] في هذا هي تنفيذ توصية “مخطط خالد نزار”، وهي تشجيع تقسيم التيارات الدينية بالاستفزاز أو الاستغلال، أو بإحياء تناقضاتهم وإذكاء الخلافات بينهم، ففي آخر 1990 ولهذا الغرض أعاد الجنرال توفيق تنشيط الرائد عبد الرحمن بن مرزوقة [نائب مدير سابق في الأمن الداخلي مكلف بالتحليل] وكلفه باسم التحالف ضد الأصولية [يعني جبهة الإنقاذ] بربط الصلة مع الشيخ محفوظ نحناح رئيس جمعية الإصلاح والإرشاد الخيرية لكي يحولها إلى حزب سياسي لمواجهة التأثير المتصاعد للجبهة الإسلامية، وقد قبل الشيخ نحناح الاقتراح بإنشاء حزب حماس الذي سيصبح فيما بعد حمس”.
هذا نص كتبه ضابط سابق في المخابرات الجزائرية باعتباره شاهدا على عصر الدم الجزائري، وهو يبين بالملموس أن حركة حمس ليست حركة سياسية مستقلة منذ نشأتها، وأنها مجرد حركة وظيفية أنشأها العسكر، وغني عن البيان أن المنتسبين إلى هذه الحركة غير المستقلة هم غير مستقلين أصالة، لذا، فإننا حين نسميهم علماء العسكر فلسنا متجنين عليهم.
ونحن إذ نعلم فقدانهم لحريتهم، فإننا نتعامل مع أقوالهم وتصريحاتهم وتوقيعاتهم كتعاملنا مع تصريحات ومواقف الأسرى المبثوثة في الفقه الإسلامي. ولا نملك لهم إلا الدعاء أن يحررهم الله.
الدولة الراشدة … والدولة القاصرة.
منذ عقود وسنوات، والأحزاب السياسية والمثقفون المغاربة يتحدثون عن سبتة ومليلية وضرورة استرجاعهما، وما زلت أذكر أن البرنامج الانتخابي لمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي كان يتضمن هذه النقطة بصراحة ووضوح في انتخابات بداية التسعينيات من القرن الماضي ، وتوالى الأمر في المغرب إلى يوم الناس هذا، فقبل يومين من الآن، أصدر حزب التقدم والاشتراكية (عضو في الحكومتين السابقة والتي قبلها، عضو معارض في البرلمان الحالي) وثيقة سياسية تضمنت الدعوة إلى حوار مع إسبانيا لاسترجاع سبتة ومليلية، ورغم هذه الدعوات المتواترة من هيآت سياسية من الأغلبية والمعارضة، فإن الدولة الإسبانية لا تنتفض ضد هذه البيانات والتصريحات والوثائق السياسية، وتتعامل معها بهدوء ورشد، لأنها دولة تعرف قيمة حرية التعبير، ولا تضيق ذرعا بالآراء المعبر عنها.
أما الجزائر، فهي دولة جنوب المتوسط، ترفل في الحظ الأوفر من التخلف، وتتربع على عرش من عروشه، لذا ما كان لها أن تتعامل مع تصريحٍ وحيد لرجلٍ وحيد بهذه الرعونة، وكان حريا بها أن تقتدي بإسبانيا في تعاملها مع الإدلاء بالآراء وحرية التعبير.
وإذا كانت الجزائر الرسمية متخلفة جدا مقارنة مع إسبانيا، فقد كان حريا بـ”علمائها” أن يترفعوا عن الوقوع في أدنى دركات التخلف، وأن يَشعروا ويُشعروا غيرَهم بأنهم فعلا يعيشون في 2022، وأنهم ليسوا مع الديكتاتور هواري بومدين في الستينيات من القرن الماضي، فهم أبناء الجزائر ما بعد العصابة، وأبناء الجزائر ما بعد الحراك، فحري بهم أن يتنسموا عبير التحرر، وأن ينخرطوا في دورات تدريبية للتأقلم مع واقع 2022 تحت إشراف خبراء إسبان.
كل شيء… إلا الدليل.
بعد تصريح الريسوني، أطنب وأسهب “علماء” الجزائر في الكلام، وأصيبوا بإسهال حاد لا تسعفه الأملاح المعدنية، وفي المقابل، فإنهم لم يأتوا بوثيقة تاريخية، ولم يدلوا بأي دليل تاريخي أو شرعي يرد على الريسوني، وهذا من عجزهم، والعاجز لا يتكلم إلا إن كان وظيفيا كما بينا.
ذكرُ الريسوني لتندوف له احتمالان:
الأول: الذهاب إلى تندوف لمحاورة الانفصاليين أو لمواجهتهم (مواجهة أدبية أو فكرية أو سياسية). وهذا من حقه كمغربي وكمثقف وكعالم. ما دام ان الفئة المستهدفة ليست جزائرية الجنسية.
الثاني: الذهاب إلى تندوف لاسترجاعها من السيادة الجزائرية، أو للمواجهة العسكرية مع الحركة المسلحة [البوليساريو].
الاحتمال الثاني غير وارد البتة، ولا يعقل أن يخطر ببال الريسوني، لأنه ببساطة يعيش في القرن 21، ويعيش بالضبط في 2022، وهذا التاريخ لا يتوجه فيه المدنيون والعلماء لفتح البلدان واسترجاع الأقاليم من الجهات المسيطرة عليها، بل هو قرار السلطات الحاكمة ببرلماناتها ومؤسساتها الحديثة، وممارسة الجيوش النظامية، وبما أن “علماء” الجزائر استحضروا هذا الاحتمال، فإننا أمام احتمالين أحلاهما مر، إما أنهم ليسوا أبناء القرن 21، ولا علاقة لهم البتة بسنة 2022، أو أنهم أبناء القرن الواحد والعشرين ولكنهم مجرد أدوات وظيفية في يد العسكر.
الريسوني عالم المخزن.
من آفات النخبة الجزائرية أنهم قالوا وكرروا أن الريسوني رجل المخزن، وأنه لسان المخزن في هذه المعركة، وهذا من بلادة هذه النخبة وبؤسها، لأنهم إن لم يعرفوا الريسوني ومواقفه، كان يغنيهم الاطلاع على تصريحه الذي أثار الزوبعة الإلهائية، فإنه انتقد الدولة المغربية مرتين في جملة واحدة، وهذا ما لا يستطيع أن يقوله أبو جرة ولا بلخير طاهري ولا غيرهما من “علماء” الإعدادي الموقعين على البيان.
الانتقاد الأول: انتقاد الدولة في احتكار مقاربتها لقضية الصحراء وعدم الاعتماد على الشعب.
الانتقاد الثاني: انتقاد الدولة في توجهها نحو إسرائيل في قضية الصحراء.
انتقادان واضحان جليان لا يحتاجان إلى ميكروسكوب لمشاهدتهما، بل يراهما الأعشى بالعين المجردة، ورغم ذلك لم يرهما المحللون والعلماء والنخبة الجزائرية البئيسة.
ومن بؤس النخبة الجزائرية أن طلع أحدهم ينتشي أمام المكروفون، وقال: نحن نعرف في المقاصد الشاطبي وابن عاشور، ونسينا ثالثا اسمه علال الفاسي، وهو معلول كاسمه.
هكذا يقول البؤس الثقافي، ولنرجع إلى الوراء لنحتمي بالقامات العلمية الكبيرة، ونستمتع بالبشير الإبراهيمي، ونستفيد من البشير الإبراهيمي، الرجل الذي يعرف قدر الرجال، والقامة التي تقدر القامات.
تحدث البشير الإبراهيمي عن عائلة الفاسي التي كانت تسمى آل الجد، ومنهم الفقيه الأندلسي أبو بكر بن الجد الفهري، ولما أشار إلى هذا البيت المغربي ذي الأصول الأندلسية، تذكر أرجوزته التي نظمها في هذه العائلة، ومنها:
والجد جد أسرة شهيرة//سيماؤها التعظيم والإجلال
ومن بقايا نسلها علال//ووسمها الأوضاح لا الأغفال
وحين اتحدت مجموعة من الأحزاب المغربية، نشرت “البصائر” نص بيان الوحدة، وعلقت عليه بالتهنئة باسمها وباسم جمعية العلماء، وقالت بالحرف: “نهنئ إخواننا علال والوزاني والطريس والناصري بهذه الفرصة التي نقلتهم من مقام الرجولة إلى مقام البطولة”.
هكذا الكبار كانوا يتكلمون عن الكبار، وهكذا كانوا يرونهم يترقون في المقامات العَلِيّات، حيث ارتقى علال من الرجولة إلى البطولة.
أما الصِّغار في عهد الصَّغار فلا يرون علالا إلا معلولا.
كل التحية والتقدير لنخبة الجزائر الممثلة للامتداد الحقيقي للعلامة البشير الإبراهيمي والعلامة العربي التبسي والعلامة عبد الحميد بن باديس، ولا عزاء لـ”علماء” الإعدادي الذين يمثلون امتدادا للعسكر في كل مراحلهم.
وعلماء كهؤلاء حري بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أن يجتمع لمناقشة مواقفهم البلطجية التي مورست في الأسبوعين الأخيرين، ولاتخاذ الموقف المناسب في حقهم، بناء على الآتي:
أولا: إهانتهم للاتحاد في تصريحاتهم الإعلامية وخرجاتهم الوسائطية المتكررة.
ثانيا: عدم استنادهم في البلطجة الإعلامية التي مارسوها إلى قوانين الاتحاد المسطرة والمعتمدة.
ثالثا: التركيز على أن مهاجمتهم للريسوني ليست مستندة على أي بند من قوانين الاتحاد، وبيان أن الريسوني لم يخالف قانون الاتحاد.
وبدل أن يستمروا في المحاكمة العلنية للاتحاد، يمكن لأجهزة هذا الأخير أن تقدمهم إلى المحاكمة التأديبية والتخلص منهم بنص القانون، أو أن تعلق استمرارية عضويتهم بالاعتذار عن البلطجة الصادرة عنهم.

وفي الأخير، فالموقعون على البيان لا يمثلون علماء الجزائر، إذ في الاتحاد وخارج الاتحاد علماء جزائريون لا يلتفتون لهذه البلطجة العلمائية، ولا يرضونها، ولا يتبنونها، بل لهم مواقف سلبية من علماء العسكر، وهذا ما يصرحون به في منتدياتهم الخاصة، وهو المعروف عنهم في الأوساط الشعبية الجزائرية.

اترك رد