عن واقع المعتزلة في الماضي وعن واقعهم في حاضرنا الماثل؟ ح.6

بقلم: د. محمد وراضي

أن يتبنى حكام مستبدون مواقف وآراء جماعات بعينها، ويفرضونها على الأمة، صورة من صور الجاهلية، أو صورة كم صور الهمجية؟ أما إن شاركت جماعة من هذه الجماعات في السلطة، سعيا منها وراء فرض تصوراتها الفكرية والسياسية على شعب برمته، فانحذار إلى مستى الذوابية حيث يسود قانون الأقوى على حد تعبير الفسلسوف الفرنسي جان جاك روسو؟
لكن الطغاة، اعتبارا منا للتجارب التاريخية، سوف يقعون صرعى الانتفاضات الشعبية، وقد يقعون صرعى منطق ديني أو عقلي غاية في السوء، كبراهين لا يمكن معها غير التسليم بضرورة الانسحاب أو السقوط في مهواة الفشل؟
فها هو شيخ عربي، احضر لامتحانه بخصوص موضوع “خلق القرآن” أمام الواثق وقاضيه أحمد بن أبي دؤاد، وبحضور ابن الواثق أحمد، . فكان أن أدخل الشيخ “مقيدا وهو جميل الوجه تام القامة، حسن الشيبة. فرأيت الواثق (يقول ابنه) قد استحيى منه ورق له، فما زال يدنيه ويقربه حتى قرب منه، فسلم الشيخ فأحسن وعدا فأبلغ، فقال له الواثقك اجلس، فجلس، فقال له: يا شيخ، ناظر ابن أبي دؤاد على ما يناظرك عليه. فقال الشيخ: يا لأمير المؤمنين: ابن أبي دؤاد يقل ويصبأ ويضعف عن المناظرة! فغضب الواثق وعاد مكان الرقة له غضبا عليه. وقال: أبو عبد الله يقل ويصبأ ويضعف عن منظارتك؟ فقال الشيخ: هون علي يا أميير المؤمنين ما بك، فأذن لي في مناظرته. فقال الواثق: ما دعوتك إلا للمناظرة. فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين، إن أردت أن تحفظ علي وعليه ما نقول. قال الواثق: أفعل. قال الشيخ: يا أحمد أخبرني عن مقالتك هذه، هل مقالة واجبة داخلة في عقد الدين، فلا يكون الدين كاملا حتى يقال فيه بما قلت (أنت). قال: نعم. قال الشيخ: يا أحمد أخبرني عن رسول الله ص حين بعثه الله تعالى إلى عباده. هل ستر شيئا مما أمره الله به في أمر دينهم؟ قال: لا. فالتفت الشيخ إلى الواثق فقال: يا أمير المؤمنين، هذه واحدة، فقال الواثق: واحدة. فقال الشيخ (لأبي دؤاد): اخبرني عن الله تعالى حين انزل القرآن على رسول الله فقال: “اليوم أكمبت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي وضيت لكم الإسلام دينا”. هل كان الله (هو) الصادق في إكمال دينه؟ أو أنت الصادق في نقصانه حتى يقال فيه بمقالتك هذه؟ فسكت ابن أبي دؤاد؟؟؟ فقال له الشيخ: أجب يا أحمد! فلم يجب؟ فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين: هذه ثانية. فقال الواثق: نعم. فقال الشيخ: يا أحمد أخبرني عن مقالتك هذه، علمها رسول الله أم جهلها؟ قال بن أبي دؤاد: علمها. قال الشيخ: فدعا الناس إليها؟ فسكت. فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين: هذه ثالثة. فقال الواثق: نعم. قال الشيخ: يا أحمد، فاتسع لرسول الله إن علمها وأمسك عنها كما زعمت ولم يطلب أمته بها. قال: نعم. قال الشيخ: واتسع لأبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم؟ قالابن أبي دؤاد: نعم. فأعرض الشيخ عته، وأقبل على الواثق فقال: قد قدمت القول بأن أحمد يقل وسصيأ ويضعف عن المناظرة! يا أمير المؤمنين إن لم يتسع لنا من الإمساك عن هذه المقالة بما زعم هذا أنه اتسع لرسول الله، ولأبي بكر وعمر وعثمان وعلي، فلا وسع الله على من لم يتسع له ما اتسع لهم، فقال الواثق: نعم! إن لم يتسع لنا من الإمساك عن هذه المقالة ما اتسع لرسول الله ص ولأبي بكر وعمر وعثمان وعلي، فلا وسع الله عليها، اقطعوا قيد الشيخ!!!
فلما قطعوا القيد، قرب الشيخ بيده إلى القيد حتى يأخذه، فجاذبه الحداد عليه، فقال الواثق: دع الشيخ يأخذه، فأخذه فوضعه في كمه، فقال له الواثق: يا شيخ لم جاذبت الحداد عليه؟ قال: لأنني نويت أن أتقدم إلى من أوصي إليه أن يجعله بيني وبين كفني، حتى أخاصم به هذا الظالم عند الله يوم القيامة واقول: يا رب: اسأل عبدك هذا لم قيدني وروع أهلي وولدي وإخواني بلا حق أوجب ذلك عليه؟ بكى الشيخ وبكى الواثق وبكينا؟ ثم سأله الواثق أن يجعله في حل وسعة مما ناله، فقال له الشيخ: والله يا أمير المؤمنين، لقد جعلتك في حل وسعة من أول يوم إكراما لرسول الله، غذ كنت رجلا من أهله. فقال الواثق: لي إليك حاجة. فقال الشيخ: إن كانت ممكنة فعلت. فقال له الواثق: تقيم قبلنا ننتفع بك وينتفع فتيانا. فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين: إن ردك إياي إلى الموضع الذي أخرجني منه هذا الظالم أنفع لك من مقامي عليك، وأخبرك بما في ذلك أسير إلى أهلي وولدي، فأكف دعاءهم عليك، وقد خلفتهم على ذلك، فقال له الواثق: فاقبل منا صلة تستعين بها على ذهرك. فقال: يا أمير المؤمنين، لا تحل لي، أنا عنها غني وذو مرة سوى، فقال: سل حاجة، فقال أوتقضيها يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم. قال: تأذن أن تخلي لي السبيل الساعة إلى الثغر. قال: قد أذنت لك فسلم وخرج”. قال المهتدي بالله ابن الواثق: فرجعت عن هذه المقالة، واظن أن والدي رجع عنها منذ ذلك الوقت.
ملاحظة: يراجع كتاب “مناقب الإمام أحمد بن حنبل”.
د.محمد وراضي

اترك رد