أمريكا تغوص في مستنقع الصراع الإيراني الإسرائيلي

فاطمتو الدوني

 

تُشعل الولايات المتحدة الأمريكية فتيل المواجهة المباشرة في الشرق الأوسط، في خضم تصاعد غير مسبوق للتوترات وتلاطم أمواج الصراع الإيراني الإسرائيلي، مبرزة نفسها كلاعب رئيسي يغير بذلك قواعد اللعبة ومثيرا تساؤلات عميقة حول مستقبل المنطقة.

فبعد سنوات من التهديدات المتبادلة والضربات غير المباشرة، يبدو أن الصراع قد بلغ نقطة اللاعودة، مع إعلان واشنطن عن هجمات جوية واسعة النطاق على منشآت نووية إيرانية.

هذا التطور الخطير لا يمثل مجرد تصعيد عسكري، بل هو إيذان بمرحلة جديدة قد تحمل في طياتها تداعيات جيوسياسية واقتصادية لا يمكن التنبؤ بها، وتضع المنطقة بأسرها على شفا الهاوية.

فجر الأحد، استيقظ العالم على أنباء تنفيذ الولايات المتحدة الأمريكية هجومًا جويًا واسعًا استهدف ثلاث منشآت نووية إيرانية رئيسية في فوردو ونطنز وأصفهان.

هذه الضربة، التي وصفها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنها “ناجحة للغاية”، تأتي في سياق سعي واشنطن المعلن لتدمير القدرة الإيرانية على تخصيب اليورانيوم ووقف برنامجها النووي.

إن توقيت هذه الضربة، في ظل التصعيد العسكري المتبادل بين طهران وتل أبيب، يضفي عليها أبعادا جديدة، محولا الصراع من حرب بالوكالة إلى مواجهة مباشرة بين قوى عظمى وإقليمية.

تداعيات هذه الضربة لا تقتصر على الجانب العسكري فحسب، بل تمتد لتشمل المشهد السياسي والاقتصادي للمنطقة والعالم.

فمن جهة، يرى البعض في هذه الخطوة تأكيد على التزام واشنطن بأمن حلفائها في المنطقة، وعلى رأسهم إسرائيل، التي عبر وزير دفاعها يسرائيل كاتس عن شكره للرئيس ترامب على هذا القرار “التاريخي” .

ومن جهة أخرى، يرى آخرون أن هذه الضربة قد تفتح أبواب الجحيم على المنطقة، وتدفع إيران إلى ردود فعل غير محسوبة، خاصة بعد تهديد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي باستهداف القواعد الأمريكية في حال توسع الصراع.

وفي هذا الصدد، يرى الخبير في الشؤون السياسية، محمد شقير، أن الضربة العسكرية الأمريكية الأخيرة التي استهدفت ثلاث منشآت نووية إيرانية، تأتي في سياق استمرارية للضربة الإسرائيلية التي سبقتها بأسبوع، مما يشير إلى وجود تنسيق استراتيجي بين الولايات المتحدة وإسرائيل بهدف إنهاء المشروع النووي الإيراني أو على الأقل تأخيره.

أوضح شقير أن نجاح هاتين العمليتين العسكريتين يرجع بشكل كبير إلى التفوق الجوي للولايات المتحدة وإسرائيل، مقابل ضعف واضح في الدفاعات الجوية الإيرانية. وأضاف أن هذا التفوق مكّن الطيران الأمريكي والإسرائيلي من ضرب المفاعلات النووية الإيرانية على الرغم من امتلاك طهران لصواريخ باليستية وطائرات مسيرة متطورة.

وفي هذا السياق، أشار شقير إلى أن تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن “العمل العسكري قد انتهى” يحمل رسالتين سياسيتين؛ الأولى موجهة إلى إسرائيل، وتفيد بأن التدخل العسكري سيقتصر على تدمير القدرات النووية الإيرانية، والثانية موجهة إلى إيران لتحذيرها من مغبة توسيع نطاق الصراع عبر استهداف المصالح الأمريكية في المنطقة، مثل القواعد العسكرية في الخليج أو إغلاق مضيق هرمز، وهو ما كان البرلمان الإيراني قد لوّح به.

على صعيد رد الفعل الإيراني، اعتبر شقير أن طهران اتبعت نهج “عقلاني ومحسوب” عبر مواصلة قصف المدن الإسرائيلية كرد على الضربات الإسرائيلية، وفي موازاة ذلك، قام وزير الخارجية الإيراني بزيارة إلى موسكو سعيا للحصول على دعم سياسي وتفعيل وساطة روسية قد تساهم في نزع فتيل التوتر. ويعتقد شقير أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد يلعب دور في تقريب وجهات النظر بين واشنطن وطهران، نظرا لعلاقاته الجيدة مع الرئيس ترامب.

واضاف شقير، أن بعد القصف الإيراني لأكبر قاعدة أمريكية بقطر وأخرى بالعراق، اختارت السلطات الإيرانية الرد على القصف الأمريكي لمفاعلاتها النووية في محاولة للحفاظ على سمعتها السياسية ومكانتها الإقليمية. فرغم التحذير الأمريكي من ضرب الأهداف الأمريكية بالمنطقة، قرر النظام الإيراني قصف هاتين القاعدتين الأمريكيتين انتقاما لهيبته في المنطقة، سواء داخليا أو إقليميا، تمهيدا لأي مفاوضات قادمة وتنفيذا لما سبق أن هددت به الولايات المتحدة في حالة تدخلها وضربها أهدافا إيرانية.

إذ اعتبرت القيادة الإيرانية حسب الخبير السياسي، أنه سيكون من غير المنطقي سياسيا وعسكريا الرد على الضربات العسكرية الإسرائيلية دون الرد على الضربات العسكرية الأمريكية.

وخلص شقير إلى أن عدة عوامل، من بينها تراجع القدرة العسكرية الإيرانية، والتفوق الجوي الأمريكي-الإسرائيلي، والتهديدات الأمريكية بإمكانية إسقاط النظام، قد تدفع إيران إلى البحث عن حلول دبلوماسية تحفظ ماء وجهها وتضمن بقاءها السياسي في المنطقة، خاصة وأن جميع الأطراف لا مصلحة لها في اندلاع حرب واسعة في منطقة تعاني أصلا من اضطرابات.

 

* الرد الإيراني

 

لم يتأخر الرد الإيراني على الضربة الأمريكية، فبعد ساعات قليلة من الهجوم، أطلقت إيران حوالي 30 صاروخ باتجاه شمال ووسط إسرائيل، مما أسفر عن إصابة 27 شخصا. ولم يقتصر الرد على ذلك، بل أعلن الحرس الثوري الإيراني عن استخدام صاروخ خيبر الباليستي متعدد الرؤوس للمرة الأولى، وأطلق أربعين صاروخًا بالوقودين الصلب والسائل ضمن موجة الرد المسماة “الوعد الصادق 20”.

هذه الخطوات تعكس تصميم طهران على الرد بقوة على أي اعتداء، وتؤكد امتلاكها لقدرات صاروخية متطورة.

من جانبها، وصفت الوكالة الإيرانية للطاقة الذرية الهجوم الأمريكي على المواقع النووية بأنه “انتهاك للقانون الدولي”، مؤكدة أنها لن تسمح بوقف تطوير هذه الصناعة الوطنية.

كما هددت إيران باتخاذ الإجراءات اللازمة، بما فيها القانونية، للدفاع عن حقوقها. وفي خطوة تعكس تشديد طهران على الأمن وسط التصعيد، كشفت تقارير عن إعدام مجيد مسيبي المتهم بالتجسس لصالح الموساد .

هذه التطورات تضع المنطقة على حافة الهاوية، وتزيد من تعقيد المشهد الأمني.

 

*الموقف الإسرائيلي

 

في تل أبيب، استقبل القرار الأمريكي بضرب المنشآت النووية الإيرانية بارتياح كبير، حيث عبر وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس عن شكره للرئيس ترامب على هذا القرار “التاريخي”، مؤكدا أن الهدف من الضربة هو ضمان عدم امتلاك إيران للسلاح النووي واستمرار العمليات الإسرائيلية في المنطقة.

هذا الموقف يعكس التوافق الاستراتيجي بين واشنطن وتل أبيب فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني، ويؤكد على أن إسرائيل ترى في البرنامج النووي الإيراني تهديدًا وجوديًا لأمنها.

على الصعيد الميداني، أعلن الإسعاف الإسرائيلي (نجمة داوود الحمراء) عن إصابة 16 شخصا في الهجوم الصاروخي الباليستي الإيراني الأخير، مما يشير إلى حجم التأثير الذي خلفته الصواريخ الإيرانية.

كما ذكرت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” أن عدة صواريخ سقطت في وسط إسرائيل بعد انطلاق صافرات الإنذار، وسقط صاروخ واحد في حيفا، مما يؤكد على أن الجبهة الداخلية الإسرائيلية ليست بمنأى عن تداعيات هذا الصراع.

هذه التطورات تضع إسرائيل في موقف حرج، حيث يتعين عليها الموازنة بين الرد على الهجمات الإيرانية والحفاظ على استقرار المنطقة.

 

* المواقف الدولية

 

على الصعيد الدولي، تباينت ردود الأفعال تجاه التصعيد الأخير، حيث طالبت بعثة إيران لدى الأمم المتحدة بعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي لمناقشة الهجمات الأمريكية، معبرة عن استيائها من “العمل العدواني الواضح وغير القانوني”، ومطالبة المجلس باتخاذ الإجراءات اللازمة في إطار مسؤولياته.

هذه الخطوة تعكس سعي طهران لإضفاء الشرعية على موقفها، وحشد الدعم الدولي ضد ما تعتبره انتهاك لسيادتها.

في أوروبا، دعا رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر إيران إلى العودة للمفاوضات والتوصل إلى حل دبلوماسي لإنهاء الأزمة، مؤكدا أن البرنامج النووي الإيراني يمثل تهديد خطير للأمن الدولي، مشيدا بالإجراء الأمريكي للحد من هذا التهديد، في حين شدد على أهمية استقرار منطقة الشرق الأوسط في ظل الأوضاع المضطربة.

هذه الدعوات تعكس قلق المجتمع الدولي من تداعيات التصعيد، وسعيه لإيجاد حلول دبلوماسية للأزمة.

من جانبها، دعت السعودية إلى احترام سيادة الدول والامتناع عن التصعيد العسكري، فيما طالبت قطر بضبط النفس والعودة للحوار السياسي كخيار وحيد لحل النزاع.

هذه المواقف تعكس حرص الدول العربية على استقرار المنطقة، وتجنب الانزلاق إلى حرب شاملة.

في الوقت ذاته، أعلنت مليشيات الحوثي في اليمن أن اتفاق وقف إطلاق النار مع واشنطن بات لاغيًا، مهددة بالرد على الهجوم الأمريكي.

هذا التطور يضيف بعد جديد للصراع، ويزيد من تعقيد المشهد الإقليمي.

اترك رد