الجزائر تفقد صوابها وتعمق عزلتها… بين طرد ديبلوماسيين فرنسيين وتقارب استثنائي بين الرباط وباريس

في مشهد دبلوماسي مثير ومليء بالدلالات، أعلنت الجزائر يوم الإثنين 14 أبريل 2025 عن طرد 12 موظفًا في السفارة الفرنسية وممثلياتها القنصلية، ووصفتهم بـ”غير المرغوب فيهم”، مطالبةً إياهم بمغادرة التراب الجزائري في غضون 48 ساعة. وقد ربط بيان وزارة الشؤون الخارجية هذا القرار بما وصفه بـ”الاعتقال الاستعراضي والمُهين” لأحد موظفي القنصلية الجزائرية في باريس بتاريخ 8 أبريل الجاري، مُتهمًا السلطات الفرنسية بانتهاك صارخ للأعراف الدبلوماسية ومبادئ المعاملة بالمثل.

لكن خلف هذا التصعيد الظاهري، يكمن سياق أعمق وأبعد من مجرد حادث دبلوماسي عابر. إذ جاء قرار الطرد الجزائري في اليوم نفسه الذي كان فيه وزير الداخلية الفرنسي، برونو روتايو، في زيارة رسمية إلى الرباط، حيث أجرى محادثات موسعة مع نظيره المغربي عبد الوافي لفتيت، توجت باتفاق حول عدد من الملفات الحيوية، من بينها الأمن والهجرة ومكافحة الإرهاب، ما يعكس متانة العلاقات الثنائية وارتفاع منسوب الثقة بين البلدين.

ولم يكن هذا التزامن هو الوحيد الذي أحرج الجزائر، فقد تزامن القرار أيضًا مع زيارة وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، إلى العاصمة الفرنسية، حيث التقى نظيره الفرنسي جان نويل بارو لتفعيل “الشراكة الاستثنائية” التي جرى التوافق بشأنها بين الملك محمد السادس والرئيس إيمانويل ماكرون. وهو ما عُدّ تجسيدًا لتحوّل نوعي في العلاقات المغربية الفرنسية، يقابله فتور وجفاء متزايدان في علاقات باريس مع الجزائر.

ويرى مراقبون أن الجزائر لم تعد تتحمل وتيرة الاعترافات الدولية المتزايدة بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، والتي كان آخرها تجديد الولايات المتحدة دعمها الصريح للحكم الذاتي، معتبرة إياه الحل الجاد والواقعي والنهائي لهذا النزاع المفتعل. لكن ما أثار الاستغراب في الأوساط الدبلوماسية هو أن الجزائر التي بادرت بطرد جماعي للدبلوماسيين الفرنسيين، لم تتجاوز في رد فعلها على الموقف الأمريكي الأخير سوى إصدار بيان خجول أعربت فيه عن “أسفها”، دون أي إجراءات مقابِلة، ما كشف تناقضًا صارخًا في مقاربة سياستها الخارجية.

ويُجمع محللون على أن الجزائر، بدل أن تواجه عزلتها المتزايدة بسياسات واقعية، تُمعن في التصعيد والقطيعة، حتى مع شركائها التقليديين، في وقت يحقق فيه المغرب اختراقات استراتيجية في ملفات إقليمية ودولية كبرى. ففيما تختار الرباط طريق المبادرات الإيجابية والشراكات البناءة، تبدو الجزائر وكأنها تصارع تيارًا جارفًا من التحولات لا يرحم السياسات الجامدة ولا الخطابات الشعاراتية.

هكذا، وبينما تتحرّك الرباط بثقة في اتجاه شراكات متينة وتحالفات ذات أفق، تختار الجزائر أن تنكفئ على نفسها وتُدخل علاقاتها في دوّامة توتّر متصاعد. وفي لحظةٍ كان يفترض فيها أن تراجع خياراتها، فضّلت التصعيد، وكأنها تُراكم على عزلتها عمدًا، وتُعمّقها بسلوك يفقد التوازن… ويُفقدها ما تبقى من أوراقها في رقعة الشطرنج المغاربية.

اترك رد