القاضي محمد عبدالسلام يدخل غمار “الطريق الصعب” بين الإمام والبابا في إصدار جديد عن “وثيقة الأخوة الإنسانية”

بالواضح

كتاب يتناول مسيرة رحلة الأخوة الإنسانية التي بدأها فضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، مع قداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية..بدأ الطريق بأول زيارة للإمام الطيب إلى الفاتيكان، ومر بأبرز محطاته عند توقيع وثيقة الأخوة الإنسانية في أبوظبي، ولا زال متواصلًا من خلال السعي الحثيث لتطبيق وثيقة الأخوة الإنسانية.
كانت رحلة مملوءة بالمواقف والأحداث، ومفعمة بالمشاعر والذكريات، بالتأكيد لا يمكن القول أن كل ما مرت به كان سعيدًا، إلا أنه حتى تلك اللحظات الصعبة كان لها أثرها في تلك المسيرة، وكانت ضرورية لتكتمل مراحل هذا الطريق، فهي جزء منه؛ لذا كان مهمًا أن تصل التفاصيل للقارئ، ليعرف كيف شق هذا الطريق، ولتعي الأجيال القادمة قصة وثيقة سيكون لها تأثيرها الكبير على الإنسانية.

إقرأ أيضا: محمد عبدالسلام يؤكد من المغرب بأن التعايش بين الأديان يتنافى مع فكرة توحيدها وذوبانها في بعضها البعض
كان مؤلف الكتاب، المستشار محمد عبدالسلام، الأمين العام للجنة العليا للأخوة الإنسانية، هو الشاهد على هذه الرحلة منذ بدايتها، عاش تفاصيلها وسار خطواتها، ويكاد يكون حاضرًا ومشاركًا في كل مشهد من مشاهد هذه الرواية الإنسانية الخالدة؛ لذا كان هو أفضل من يروي لنا قصة “الطريق الصعب”.
يتميز الكتاب بتسلسل منطقي يفيد القارئ في فهم واستيعاب الأحداث ويساعده على معرفة عناصر القصة، ولأنه كان ضروريًا أن يتعرف القارئ على الشاهد، ويفهم شخصية من يقرأ له، فقد اختار المؤلف أن يعرف بنفسه في بداية الكتاب، فتكلم عن نشأته الريفية وأسرته وتكوينه العلمي والفكري وعمله القضائي، ثم تحدث عن لقائه بالإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر وعمله مستشارًا له.

ثم تناول الكاتب شخصية الإمام الأكبر كما عرفها عن قرب، وتمكن في سطور قليلة من وصف الجوانب المختلفة لتلك الشخصية العظيمة، بل وسافر بنا مع الإمام بعيدًا عبر السنين إلى حيث الإمامان مالك والأشعري، وإلى حيث ابن رشد، فعرفنا أوجه الشبه بين شخصية إمامنا وشخصيات أولائك العظماء، ليشعر القارئ أنه ملم بشخيصة الإمام علمًا وفكرًا ومنهجًا وسلوكًا وحتى انفعالًا، وكيف أثر هذا التكوين في بناء شخصية قائد محب للسلام، مؤمن بالتعايش مع الآخر.


بعد ذلك يشرح لنا عبدالسلام كيف أعاد وصول البابا فرنسيس إلى رأس الكنيسة الكاثوليكية الأمل إلى الإمام الأكبر لعودة العلاقات مع أكبر مؤسسة دينية مسيحية، حيث عرف عن البابا فرنسيس، حبه للسلام وانفتاحه على الآخر، فكان قرار الإمام جريئًا وقويًا بزيارة الفاتيكان.
وعندما نقرأ الكتاب ندرك صعوبة العقبات التي تم تخطيها لإتمام هذه الخطوة، فالفتور الذي كان قد يشوب العلاقة قبل فترة الطيب وفرنسيس، والتراكمات التاريخية، والمفاهيم الخاطئة، والآراء الرافضة للحوار، وغيرها من الصعوبات، والتي كانت تحتاج إلى إرادة قوية وعزيمة صادقة للتغلب عليها، ولذا كان اسم هذا الكتاب “الطريق الصعب” معبرًا عن طبيعة هذه الرحلة الإنسانية.
ثم يسرد الكاتب الخطوات المتسارعة التي ميزت هذا “الطريق الصعب” فالبابا فرنسيس، لم يتردد في تلبية دعوة الإمام إلى زيارة مصر والأزهر وعقد قمة للسلام، للتتوالى بعدها القمم التي تجمع بين القائدين، وتتنامى العلاقة الأخوية بينهما.


ويتميز أسلوب الكاتب بأنه يجعلك تعايش تفاصيل هذه الرحلة، بل إنه عندما يتحدث عن العشاء الذي جمع بين الإمام والبابا في منزل البابا الخاص يجعلك تعيش المشاعر والأحاسيس التي كانت سائدة على تلك المائدة، لتدرك كيف ولدت عليها فكرة الأخوة الإنسانية.
وبعد تلك اللحظة نجد أنفسنا دخلنا إلى منعطف جديد تتشابك في الأحداث والتفاصيل، ونتعمق في ترتيبات الإعداد للوثيقة وللزيارة التاريخية المشتركة بين الإمام والبابا إلى أبوظبي، ويتضح لنا الدور الإنساني الكبير الذي تقوم به دولة الإمارات وقيادتها الحكيمة وخاصة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في دعم جهود التعايش والسلام.
وبعد أن نظن أن القطار وصل إلى محطته الأخيرة بتوقيع وثيقة الأخوة الإنسانية يسافر بنا المستشار محمد عبدالسلام إلى محطة هامة لا تقل أهمية عن سابقاتها، وهو العمل على تطبيق وثيقة الأخوة من خلال تشكيل اللجنة العليا للأخوة الإنسانية، والعديد من المبادرات التي تعمل على تنفيذها.
ثم نفهم منه أنه بالرغم من المسافة الكبيرة التي قطعتها هذه الرحلة، ورغم كل تلك الإنجازات التاريخية لا زال هناك الكثير من المحطات التي يواصل قطار “الأخوة الإنسانية” المسير إليها، وأن القطار به أماكن لكل من أراد أن يشارك في الرحلة، ليستمر “الطريق الصعب”.

اترك رد