الملك محمد السادس ومواقع التواصل الاجتماعي

بالواضح

تتنوع الملكيات عبر العالم بتنوع المجتمعات التي أوجدتها والتي تلائم كيانها السياسي والثقافي والحضاري.

إن تاريخ الملكيات ارتبط على الدوام بتاريخ المجتمع الذي تنتمي إليه، بل وفي كثير من الأحيان كانت ممرآتَه المجسدة لأصالته بما في ذلك التقاليد المجتمعية المميِّزة للمجتمع روحا وتاريخا.

فمن بين هذه الملكيات العريقة عالميا هي الملكية التي طبعت حضارة المغرب في تاريخه المعاصر منذ ما يناهز 1400 عاما، وتحديدا منذ إدريس الأول إلى محمد السادس، حيث كانت الملكية عبر هذا التاريخ الحديث تستجيب لحاجيات المملكة المغربية سياسيا واجتماعيا، وهو ما يعكس تشبث الشعب بالعرش عبر روابط البيعة كعروة وثقى لا انفصام لها.

كانت الملكية في المغرب عبر هذا التاريخ الممتد على طول 1400 عاما بمثابة المرآة التي تعكس المتغير السوسيولوجي في الحياة العامة للمواطن المغربي سلوكا وثقافة وبخاصة الانفتاح على العالم ومن خلاله الانفتاح على الآخر، باعتبار المغرب ملتقى الحضارات وممرّا بين القارات ومنتدى كونيا لحوار الثقافات والأديان.

إن هذه الصورة التي رسمتها الملكية في المغرب انسجاما مع طبيعة تعدد روافده الإسلامية والعربية والأمازيغية والأندلسية والعبرية والإفريقية، جعلت من الملكية كمؤسسة والمغرب كبلد، وحدة لا يمكن تجزيئها كما هو مبين عبر التاريخ، وتشهد عليه الأحداث.

إن ظهور مواقع التواصل الاجتماعي التي ميّزَت العصر التكنولوجي الحالي على عهد الملك محمد السادس على وجه التدقيق، أعطى للملكية نفَسا جديدا كمؤسسة تشارك الشعب بعضا من خصوصية الملك، والتي يتم تصريفها عبر هذه المواقع للتواصل الاجتماعي بصيغ مختلفة وبخاصة ما تعلق منها بالصور الموثِّقة لأحداث معينة، وهي إشارة قوية على حداثة المؤسسة الملكية بالمغرب.

صحيح أن المتصفح لمواقع التواصل الاجتماعي سيلاحظ عدم وجود حسابات خاصة أو صفحات رسمية للملك، لكن بالمقابل سيلاحظ أن صوره غير الرسمية تجتاح هذه المواقع عبر حسابات وصفحات أخرى، لأن الغاية هنا أكبر من الوسيلة، وهي إشارة أخرى تنمّ عن ذكاء المؤسسة الملكية في هذا الاختيار الذي نسجِّله بكل فخر واعتزاز كماركة مسجلة مغربيا، لأن تحقق الغاية في جعل الملك يشارك الشعب هذه المواقع خاصة الفضاءين الأزرق والأحمر وباقي الألوان أبلغ من كل الوسائل.

إن الفلسفة الملكية في التعاطي مع مواقع التواصل الاجتماعي تستمدّ واقعيتها من الحداثة الفكرية لشخص الملك، الذي تجاوز بسنوات ضوئية كل الطابوهات التي قد تكون في وقت من الأوقات غير قابلة للتناول، فمحمد السادس كملك وكمواطن يعبّر بجلاء عن الواقع المغربي المتعدد والمنفتح، فهو رجل يتحدث العربية والفرنسية والانجليزية والاسبانية، وهذا معناه أن الانسان المغربي تعددي الطبع ومنفتح الفكر بكل ما تحمله التقدمية والحداثة من أسمى المعاني فكرا وثقافة. أمام هذه الخصوصية المغربية للملك والشعب نلاحظ تجلياته وتمظهراته على مواقع التواصل الاجتماعي من خلال الرضا التام على ما ينشر من صور خاصة، كما أكدنا سلفا، تحقيقا للغاية دون النظر إلى الوسيلة، لأن الأهم هنا أن يشكل الرابط التكنولوجي واحدا من الروابط التي تجمع العرش بالشعب، روحا وفكرا وعقيدة خاصة العقيدة السياسية، التي تجعل من الملك رمزا لوحدة المغاربة وضامنا لاستقرار الوطن، في إطار تقدمي حداثي ديمقراطي يحافظ على أصالة وتقاليد الدولة المغربية العريقة.

اترك رد