الملك محمد السادس يدعو إلى تنمية من الجيل الجديد تحدث أثرا فوريا في حياة المواطنين

بقلم: عمر المصادي

جدد جلالة الملك محمد السادس نصره الله، في عدد من خطاباته السامية، دعوته الملحة إلى كافة الفاعلين المعنيين بالشأن التنموي في المغرب، من إدارات ومؤسسات منتخبة وسلطات محلية ومجتمع مدني، من أجل بلورة برامج تنموية من الجيل الجديد، تحقق أثرا مباشرا وملموسا في حياة المواطن المغربي.
وتأتي هذه التوجيهات الملكية في سياق وطني دقيق، يتطلب نقلة نوعية في التدبير العمومي، تنبني على مبادئ العدالة المجالية والإجتماعية، وتستجيب للحاجيات الفعلية لمختلف شرائح المجتمع، خاصة الفئات الهشة والمناطق المهمشة التي تعاني من ضعف في البنيات التحتية والخدمات الأساسية.

وأكد جلالة الملك على أن التنمية ليست شعارا، بل التزام مسؤول، حيث جعل جلالته من التنمية الحقيقية، ذات الأثر الفوري، ركيزة أساسية في مشروعه المجتمعي، مؤكدا أن المرحلة المقبلة يجب أن تتسم بالنجاعة، والحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة.
ولم يعد مقبولا، حسب الرؤية الملكية، استمرار الفوارق بين الجهات والمناطق، بل أصبح من الضروري تحقيق التوازن الترابي والمجالي، وضمان استفادة كل المواطنين من ثمار التنمية بعدالة وإنصاف.

ومن بين الرسائل الضمنية المهمة في توجيهاته، تلك المتعلقة بدور الأحزاب السياسية ومسؤوليتها في تأطير المواطنين وتزكية نخب مؤهلة وقادرة على تدبير الشأن المحلي بكفاءة ونزاهة، فنجاح أي نموذج تنموي رهين بوجود منتخبين في المستوى، يمتلكون الكفاءة والمعرفة والغيرة على المصلحة العامة، بعيدا عن منطق الزبونية والمصالح الشخصية.
وفي هذا الصدد، تتحمل الأحزاب السياسية مسؤولية تاريخية في إعادة الثقة للعمل السياسي، وتطوير آليات الإنتقاء والتأطير، وربط التزكيات بمعايير الجدارة والإستحقاق، وليس الولاء أو الإنتماء الضيق.

بين الصورة البارزة والعنوان

إن الرؤية الملكية تدعو إلى تنمية دامجة وشاملة، تنبني على التشاركية، وتستحضر الخصوصيات المجالية لكل منطقة، بدل مقاربات موحدة لا تراعي الفوارق الجغرافية والإقتصادية والإجتماعية، وهذا ما يستدعي تنسيقا محكما بين كافة المتدخلين، وتعبئة شاملة للموارد والإمكانات، ووضع المواطن في صلب السياسات العمومية.

وفي خضم هذا الورش التنموي الكبير، لا يمكن إغفال الدور المحوري الذي يضطلع به الإعلام الوطني والمحلي، باعتباره شريكا فاعلا في نشر الوعي، وتتبع تنفيذ البرامج التنموية، ومساءلة الفاعلين العموميين، فالإعلام ليس فقط ناقلا للخبر، بل هو منصة للتواصل المؤسساتي والمجتمعي، ومنبر يعبر من خلاله المواطنون عن تطلعاتهم وانتقاداتهم ومقترحاتهم.
كما يساهم الإعلام في تحفيز النقاش العمومي حول أولويات التنمية والعدالة المجالية والإجتماعية، ويضطلع بدور رقابي من خلال تتبع تقدم المشاريع، والكشف عن مظاهر القصور أو التأخير أو ضعف الحكامة، ومن جهة أخرى، يعد الإعلام وسيلة فعالة في إبراز النماذج الناجحة، وتعميم التجارب التنموية الرائدة التي يمكن أن تستلهم في مناطق أخرى.
إن إعلاما حرا ومهنيا ومسؤولا هو شرط أساسي لمواكبة هذا التحول التنموي المنشود، ولتعزيز الشفافية، وربط المسؤولية بالمحاسبة، وترسيخ الثقة بين المواطن والمؤسسات.

وفي الأخير يجب التأكيد على أنه يجب الإنتقال من الأقوال إلى الأفعال، فدعوة جلالة الملك محمد السادس حفظه الله، إلى إطلاق برامج تنموية جديدة ليست مجرد توجيه سياسي، بل هو تعاقد معنوي وأخلاقي مع المواطنين، يستوجب الإنخراط الجماعي في مسلسل تنموي حقيقي، يقوم على الفعل الميداني، والنتائج الملموسة، والعدالة في توزيع فرص التنمية، حتى لا يبقى المواطن في بعض المناطق يشعر بالتهميش أو الإقصاء.
المغرب اليوم أمام فرصة تاريخية لتصحيح المسار، بتحمل الجميع لمسؤوليته، والإنطلاق نحو نموذج تنموي يكرس الإنصاف المجالي والإجتماعي، ويعيد الثقة في المؤسسات، ويجعل من المنتخبين والمجالس المحلية رافعة حقيقية للتغيير والتنمية.

اترك رد