امتعاض النظام الجزائري من التعاون المغربي الموريتاني

بقلم: لحسن الجيت

ليس في قاموس الدبلوماسية المغربية أساليب التكالب والتواطؤ في بناء علاقات خارجية سواء مع دول الجوار أو مع غيرها إن على المستوى القاري أو الدولي. مبدأ المغرب كان ومازال هو عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ملتزم في ذلك  باحترام سيادة الدول ووحدة إقليمها وترابها. وينطلق المغرب في كل ذلك من قناعة راسخة لا محيد عنها وهي أنه لن يكون هناك أفق لا للاستقرار ولا لأي تعاون ما لم تحترم أبجديات حسن الجوار.

ومادام هناك طرف واحد يحاول أن يقفز على سيادة دولة أو دول بفرض الوصاية عليها وغالبا ما يكون ذلك بانقلاب، فإن فرص النجاح لبناء تعاون إقليمي قد تكاد أن تكون منعدمة. ومن المؤكد أن الوضعية الجامدة  للاتحاد المغاربي منذ1989 إلى يومنا هذا مردها إلى وجود نظام مارق لا يبحث عن كينونته ولا يقتات إلا من زاد البلقنة والتشرذم، ولا يرتاح لأي تعاون ثنائي ما لم يهندسه بنفسه ويضيق ذرعا حينما يكون المغرب طرفا فيه.

لحسن الجيت: محلل سياسي وديبلوماسي سابق

إن المقاربة  التي يتبناها المغرب والقائمة على احترام الخيارات والقرارات السيادية لدول الجوار مهما كانت معاكسة لمصالحه الاستراتيجية فهي لا تثيره ولا تحمله على بناء سياسة عدوانية في السر أو العلن من قبيل حملة إعلامية مسعورة بل يحرص المغرب على أن يترك ذلك لعامل الزمن الذي هو كقيل بالكشف عن ما يخطط له النظام الجزائري من تكتلات مشبوهة عديمة الجدوى سرعان ما تقف بعض الأطراف على حقيقتها وهي واحدة لا ثانية لها سوى أنها بنيت لعزل المغرب ومحاصرته.

الأشقاء في موريتانيا قد وقفوا على هذه الحقيقة، والرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني الذي لم يأت إلى الحكم على ظهر دبابة بل ولد من رحم صناديق الاقتراع في انتخابات ديمقراطية غير مسبوقة في المنطقة ليس ما يخشاه اليوم بعد أن تعزز عوده واشتد بشرعية شعبية في مواجهة من أفرزته وعينته     الثكنات العسكرية. لا يقبل رئيس من أبناء الشعب الموريتاني على نفسه أن يكون أداة طيعة لخدمة أجندات الآخرين وإبقاء موريتانيا بعيدة كل البعد عن اهتماماتها وانشغالاتها الحقيقية. الرئيس الموريتاني كما هو مدرك لذلك انتدب ليكون في المقام الأول مدافعا على مصالح بلده، وكذلك فعل. وحينما لمس أن التكتل الثلاثي مشبوه في أمره أخذ منه بأسلوبه الخاص مسافة ليتجنب الوقوع في سياسة المعسكرات. وانتبه إلى أن النظام الجزائري يبحث فقط عن الريادة التي يحقق منها مصالحة فقط دون غيرها.  باستثناء عقلية المحاور، ليس لدى النظام الجزائري ما يقدمه سوى الإغراءات والرشاوى. أما المنتخبون ديمقراطيا لا يبحثون عن الجاه والمال أكثر مما يخشون من محاسبة عند تقديم الحصيلة في نهاية الولاية.

ولذلك، كان الخيار الأفضل الذي اهتدى إليه الرئيس الموريتاني وهو القطع مع الماضي وسلبياته  بالاعتماد على الذات وبناء دولة موريتانيا على أسس متينة متحكم فيها غير  قابلة للعبث، وغير تابعة وذات قرار سيادي . اليوم موريتانيا لها من المقومات ما يحررها ويؤهلها من الخروج من عباءة الآخرين. لها من الخيرات والثروات المكتشفة ولها موقع استراتيجي لا يتوفر عند داك الذي يحاول التشويش على المنطقة بأسرها لكي يكون له قدم في المياه الأطلسية.موقع  موريتانيا يسمح لها كذلك بالتعاون مع المغرب أن تكون صلة وصل بين أوروبا وإفريقيا  من خلال  تجارة قارية وعالمية باعتبارهما بلدان مطلان على المحيط الأطلسي.

والمغرب الذي راهن على عامل الزمن لكي يبدأ مسلسل ارتدادات النوايا السيئة على أصحابها، أحذ يستعيد زمام المبادرة بفتح آفاق واعدة من التعاون  مع الشقيقة موريتانيا قوامها المصالح المتبادلة. فبعد موقعة الكركرات التي وضعت اللبنة الأساسية كمعبر تجاري يربط بين الأقاليم الجنوبية للمملكة ومختلف المناطق الموريتانية ومنها إلى بقية غرب إفريقيا، اهتدى الجانبان المغربي والموريتاني إلى الاشتغال على معبر تجاري ثاني ينطلق من مدينة السمارة في اتجاه موريتانيا ودول الساحل.

كما سيتعزز هذا التعاون بين البلدين باتفاقية في مجال الطاقة تم التوقيع عليها  في الرباط بتاريخ 23 يناير 2025  والتي تقضي بمد حبال الطاقة الكهربائية من حقول الإنتاج بالاقاليم الصحراوية في اتجاه موريتانيا ومنها الى السينغال ثم الى ساحل العاج وصولا الى الخليج الغيني. بمعنى انه سيتم انشاء سوق طاقية عملاقة الهدف منها تنمية وتاهيل المناطق التي سيعبرها أنبوب الغاز الذي سيربط بين ابوجا والرباط.

هذا المشروع الذي له أبعاد استراتيجية باعتباره مشروع عابر لدول غرب إفريقيا، قد أثار قلقا كبيرا لدى النظام الجزائري ويعمل كل ما أوتي من جهد جهيد للحيلولة دون بلورته على أرض الواقع لأنه سيبعثر كل أوراق ذلك النظام في المنطقة. وتفيد بعض المعلومات المستقاة أن دولة الثكنات كانت ترى دائما في موريتانيا الحلقة الأضعف التي يمكن من حلالها قطع المحور الطاقي وتفتيته ومنع حصوله بالضغط على نواكشوط لمنع عبوره على الأراضي الموريتانية.

يذكر أنه سبق للنظام الجزائري، بعد أن تبين له عدم استجابة واستعداد الرئيس الموريتاني للانخراط في مشاريع محدودة، أن وضع خطتين على الطاولة. الأولى ان يضغط بشكل مباشر على الرئيس ولد الغزواني عبر تهديده ولعل ذلك قد حصل في الزيارة الأخيرة للرئيس الجزائري تبون، أو بشكل غير مباشر عبر تحريك الأدراف الموالية للجزائرداخل موريتانيا للتشويش او التضييق على قرارات الرئيس الموريتاني.

الخطة الثانية ان يعمد النظام الجزائري الى تحريض القادة العسكريين الموالين للرئيس محمد ولدعبدالعزيز ودفع لفراد اسرته المتواجدين بمراكز القرار الى تنفيد انقلاب على الرئيس الشرعي الذي اختاره الشعب الموريتاني.

هذه التهديدات الجزائرية، كما يقول بعض الانفصاليين من بينهم بن بطوش.أن المغرب كان على علم مسبق بهذه المخططات وعلى دراية بكل ما كان يحاك ضد ضد الرئيس ولد الغزواني  مما أدى بهذا الأخير إلى الإسراع في إجراء تغييرات على مستوى قيادة الجيش الموريتاني.

الانفصاليون من مرتزقة البوليساريو يجدون أنفسهم اليوم في مأزق غير مسبوق بعد هذا التحول في الموقف الموريتاني وبعد المشاريع التي بدأت ترى النور على مستوىالتعاون بين نواكشوط والرباط . جمهورية تيندوف وجدت في ذلك التحول “اعترافا اقتصاديا بسلطة الرباط على الصحراء، وأن الاعتراف السياسي لا يعدو أن يكون سوى مسألة وقت فقط وقد تسحب موريتانيا اعترافها بالجمهورية الصحراوية”. والأخطر من ذلك كما يضيف إبراهيم غالي “إن حصلت موريتانيا على الأمان العسكري واستشعرت عدم قدرة الرابونيعلى تهديدها عسكريا كما كان يفعل الوالي مصطفى السيد عندما هاجم نواكشوط في يونيو من عام 1976، فإن موريتانيا ستنحاز كليا للمغرب”.

وهكذا يبدو أن النظام الجزائري الذي كان يراهن على محاصرة المغرب في المربع الأول لهذا الصراع بدأ يفقد التوازن على المستوى المغاربي. وأصبج مجال المناورة لا يتسع أمامه لكي يفوض أمر تنفيد خططه للانفصاليين لسببين، أولهما بعد أن أبرمت نواكشوط اتفاقيات عسكرية مع العديد من الدول وعلى رأسها تركيا التي زودتها بطائرات مسيرة لحماية الحدود وردع كل محاولات التسلل الرامية إلى زعزعة أمن واستقرار موريتانيا ، ثانيهما أن أية محاولة من الانفصاليين من قبيل اقتحام التراب الموريتاني سينظر إليها على أنها عمل إرهابي في الوقت الذي يهدد فيه الرئيس دونالد ترامب بإدراج ميليشيات البوليساريو في قائمة الإرهابيين، وهذا التطور يحمل له النظام الجزائري هما كبيرا لما قد تكون له من تداعيات على وضعية الجمهورية الوهمية في الاتحاد الإفريقي.

اترك رد