بقلم: لحسن الجيت

كل المؤشرات تفيد أن شبابنا وقع في مصيدة استُدرج إليها، وهو أبعد بكثير من أن يكون قد خطر بباله أن هناك جهات خارجية معادية لوطنه هي التي تمسك بخيوط المؤامرة وتريد الشر المستطير لهذا البلد، الذي يرى فيه أولئك الأعداء أنه كلما ازداد تقدماً وازدهاراً، كلما شكّل ذلك خطراً يهددهم كما يهدد أنظمتهم العسكرية القائمة على الاستبداد وقمع شعوبهم.
وقد تمكن هذا العدو في بداية الأمر من أن تُنطلي ألاعيبه ودسائسه على هذه الفئة العمرية من الشباب، بالضرب على الوتر الحساس، وعلى هواجس لعلها تشغل العديد من دول العالم وليس المغرب وحده، من قبيل الخصاص في توفير مناصب الشغل وانتشار البطالة، وكذلك التعليم وما يواكبه من مشاكل، إضافة إلى قطاعات أخرى كالصحة والعدالة.
هذه القضايا لا يجادل أحد منا في كونها مطالب مشروعة، وقد نتمسك بها أكثر كلما كانت أجندة داخلية صرفة، لكننا لا نقبل بها، بل وقد نتخلى عنها، إن كانت نتاجاً لمؤامرة خارجية أُريد بها فقط زعزعة أمن واستقرار البلاد. فهذا أمر لن يقبل به أي مغربي غيور على وطنه ولو كان به خصاص. وأقولها بكل فخر واعتزاز لكل شركائي في هذا الوطن: بلادي وإن جارت عليّ عزيزة، فكيف إذا كنت أشعر بأن هناك مؤامرة تُحاك ضد هذا الوطن؟
مع تعاقب الأيام بدأت الحقيقة تنجلي، وارتفعت الغشاوة التي كانت قد خيّمت على عقولنا وأعيننا. فعدوك يجب أن تنتظره في اللفة الأخيرة، وكذلك كان. رُفعت المطالب وسرعان ما تم الاعتراف بمشروعيتها، وقيل لهم بكل صدق إن أية حركة احتجاجية يجب أن تجد مستقرها في طاولة الحوار، وهو ما سارعت إليه الحكومة. غير أنه وبدلاً من أن يكون هناك تجاوب من طرف قادة هذه الحركات الاحتجاجية، تبيّن أنها بلا قيادة، وأن الحوار يجب أن يكون عن بُعد، تحت طائلة أن هؤلاء الشباب من جيل جديد، هو جيل الرقمنة.
هذا الحوار الذي يتسترون وراءه هو حوار غير مسبوق في تاريخ البشرية، ولا حتى في الدول التي سبقتنا في مجال التكنولوجيا الحديثة. فنحن لسنا بمستوى هذا التقدم حتى يُفرض على حكومة كحكومة المغرب أن تتفاوض مع أشباح أو كائنات من كواكب أخرى. والحقيقة التي تنبعث من هذا الموقف المشبوه هي أن الجهات التي تمسك بخيوط المؤامرة جهات أجنبية معادية لن تحضر إلى طاولة الحوار، لأنها إن فعلت انكشف أمرها بأنها ليست مغربية.
ومن جهة أخرى، فإن الشباب الذي ينزل إلى الشوارع مسخَّر فقط لتنفيذ ما يصلهم عبر منصة “ديسكورد”، فهم لا يعلمون عن هذه المنصة إلا ما يُؤمرون به، ولا يعرفون من يقف وراءها أو أين توجد أصلاً. لذلك لا يوجد بينهم من هو قيادي، ولا يجتمعون فيما بينهم ليقرروا ما يفعلونه غداً. إذن لا أحد منهم مؤهل لحوار جاد يتفق بموجبه مع الحكومة على أجندة من الحلول.
وحينما أعربت الحكومة عن استعدادها للحوار، لم تجد أمامها سوى ثلة من رجال الإعلام المرموقين لتلتقي بهم على القنوات المغربية من أجل تنوير الرأي العام. ولعل تلك الخرجات الإعلامية لبعض المسؤولين قد عرّت المستور، وكشفت عن مؤامرة كانت كجبل الجليد المخفي في أعماق البحر.
خيوط المؤامرة التي تجري فصولها بدأت بالفعل تنكشف مع مرور الوقت. ومن جملة ما تمت معاينته أن المطالب التي خرج من أجلها أولئك الشباب في البداية انحصرت في بعض القطاعات الحيوية، منها التعليم والصحة، لكن بفعل فاعل سرعان ما انتقلت تلك المطالب من أجندة اجتماعية إلى أجندة سياسية، لم تقف عند حدود إسقاط الحكومة، بل تجاوزتها إلى ما هو أخطر، يستهدف المساس بالثوابت والمقدسات.
هذا التحول النوعي والسريع في الحركة الاحتجاجية يشير إلى تسلّل تيارات إسلامية في صفوف المحتجين، تلتقي هي والنظام الجزائري على أجندة سياسية مشبوهة تريد النيل من الدولة المغربية.
هذا التصعيد في الخطاب السياسي من طرف المتربصين بالمغرب داخلياً وخارجياً لا تفسير له سوى تلك الحملة التي يقف اليوم وراءها النظام الجزائري، باستقطاب وتسخير منصات إعلامية يطلّ من خلالها بعض الإعلاميين المغاربة أمثال بوبكر الجامعي وسليمان الريسوني، الذين انبروا بخرجات يحرضون فيها الشباب على الانتقال من حركات احتجاجية سلمية إلى حركات خطيرة بشعارات مستفزة، يراد بها زجّ أولئك الشباب في مواجهات عنيفة.
هذه السيناريوهات الدرامية هي ما يحلم النظام الجزائري بتحقيقه يوماً ما على أرض المغرب. ما يحدث اليوم هو امتداد ونقلة نوعية في المخطط العدواني لذلك النظام ضد المغرب.
الهجمة الإعلامية التي شنها النظام الجزائري عبر ما عُرف قبل أسابيع بـ”جبروت” لا يمكن فصل عدوانيتها عما يجري حالياً من حركة احتجاجية في المغرب، فالممسكون بخيوط هذا المشهد هم أنفسهم الذين حرّكوا “جبروت” وغيره. ويؤسفني أن أشير إلى أن بروز أسماء الخونة من أولئك الإعلاميين المغاربة قد أخذوا مكانهم في هذا المشهد كما في المشهد السابق.
ضلوع النظام الجزائري أصبح جلياً للعيان وغير قابل للجدل، في نظام يبحث بكل الوسائل عن تصدير أزمته الداخلية، ولن يجدها إلا في خلق متاعب للمغرب. هذه الهواجس التي تنتاب جنرالات الجزائر حيال مكتسبات المغرب ومنجزاته، وهي تمضي قدماً في تحقيقها وتكريسها، هي ما حمل هذا النظام على التحرك بسرعة للحيلولة دون استمرار هذا التميز المغربي، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
أولاً: النظام الجزائري يشعر بالاختناق أمام كل الانتصارات التي حققها المغرب على الصعيد الرياضي، حتى إنه يتموقع في كل منازلة رياضية ضد المغرب ولو كانت مع شبح. وقد وصل به الأمر في تظاهرة رياضية إلى ألا يأتي على ذكر اسم المغرب. وبات رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، السيد لقجع، عقدة النظام الجزائري بعد أن اكتسحهم في كل المحافل الرياضية، ومسح بهم الأرض في الفيدراليات والكونفدراليات. رجل واحد استطاع أن يهزّ أركان دولة الثكنات بجنرالاتها وضباطها.
ما يحرك اليوم جنرالات الجزائر هو انزعاجهم من استضافة المغرب للملتقيات الرياضية القارية والعالمية. ولأن هذا هو هاجسهم، فقد خططوا لإفشال تنظيم المغرب للمباريات النهائية لكأس إفريقيا، وحاولوا عبثاً حمل الكونفدرالية الإفريقية على نقلها إلى بلد آخر، بدعوى أن المغرب ليس بلداً مستقراً ويمر باضطرابات أمنية. هذا التحرك المشبوه يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن النظام الجزائري له يد، من خلال خونة الداخل والخارج، في تأجيج مشاعر شباب مبتدئين في السياسة لا يفقهون أبجدياتها.
ثانياً: إثارة الفتنة في المغرب من قبل النظام الجزائري جاءت بالتزامن مع اللحظة الحاسمة التي يتهيأ لها مجلس الأمن للحسم في قضيتنا الوطنية. والنية المبيتة لذلك النظام هي التشويش على أي قرار مصيري قد يضعه في مأزق لم يعرف مثيلاً له منذ خمسة عقود.
ثالثاً: الإيحاء للمستثمرين الأجانب وتخويفهم من خطورة الوضع في المغرب، ليتوقفوا عن ضخ رؤوس أموالهم في مشاريع بمختلف ربوع المملكة، بما فيها الأقاليم الجنوبية، بهدف الحيلولة دون إضفاء الشرعية الاقتصادية والسياسية على صحرائنا المغربية.
ما عبّر عنه جلالة الملك في خطابه السامي أمام افتتاح الدورة التشريعية للبرلمان، كما في شكله ومضمونه، خير ما يمكن أن نسترشد به في فهم ما جرى ويجري في الساحة. فجلالته له من الحكمة ما يجعله ممسكاً بناصية المعرفة ومدركاً لحقيقة ما يلفّ من حولنا. قد نخطئ وقد نسيء الفهم، لكن موقعه كملك له ما ليس لدينا ويعلم ما لا نعلم.
ولأن لديه من المعطيات والحيثيات الكافية، فقد جاء خطابه بالصيغة التي اخترقت مسامعنا وعقولنا، وأرسل رسائل لمن يهمه الأمر من المسؤولين المغاربة دون أن يلتفت إلى ما كنا نعتقد أنه حدث الساعة وحديثها. ولذلك ينبغي على شبابنا أن يدركوا حقيقة واحدة لا ثانية لها: أنهم قد استُدرجوا للخوض في معركة لا تعدو أن تكون سوى مؤامرة ضد الوطن.
واعلموا أن ما يُحاك ضدنا من مخطط هو في واقع الأمر دعوة إلى إيقاف مسار التنمية، ودعوة إلى الفتنة.