حين يُقصى النبوغ من ساحات التميز: غياب المغرب عن أولمبيادات الرياضيات ومسؤولية التنسيق المؤسساتي

بقلم: عبدالفتاح الحيداوي

في عالم تُقاس فيه قوة الدول بعقول أبنائها قبل ثرواتها، يصبح حضور الكفاءات الشابة في المحافل العلمية الدولية مؤشراً حقيقياً على جدية الاستثمار في المستقبل. وفي الوقت الذي تتسابق فيه الدول لرعاية نوابغها وتوفير السبل لتمكينهم من التميز العلمي، يسجل المغرب -للأسف- غياباً مقلقاً عن تظاهرات علمية بارزة، لعل آخرها الأولمبياد الأوروبي للرياضيات الذي نُظم في كوسوفو في 11 أبريل الماضي.

هذا الغياب لم يكن بسبب قصور في المستوى العلمي، ولا نقص في الاستعداد، بل نتيجة تأخر في الحصول على التأشيرات، وهو السبب ذاته الذي حال دون مشاركة الفريق الوطني في أولمبياد الرياضيات بلندن السنة الماضية. أن يتكرر الأمر لمرتين متتاليتين، فذلك لم يعد مجرد حادث عرضي، بل يُنذر بخلل بنيوي في التنسيق والتخطيط.

تلاميذ الفريق الوطني للرياضيات ينتمون إلى نخبة النبوغ المغربي، اجتازوا مراحل انتقائية دقيقة، وتلقوا تأهيلاً علمياً متقدماً على مدى شهور. غيابهم عن هذه المحافل لا يُفقدهم فقط فرصة التباري، بل يحرمهم من الاحتكاك العلمي، وبناء علاقات دولية، وتوسيع آفاقهم، وهي مكتسبات لا تقل أهمية عن الميداليات.

المؤسف في الأمر أن هذا النوع من المشاركات لا يتطلب جهداً لوجستياً ضخماً، ولا يتعدى عدد المشاركين غالباً أصابع اليد الواحدة. ومع ذلك، فشل التنسيق بين الوزارات المعنية -سواء وزارة التربية الوطنية أو وزارة الخارجية أو غيرهما– في ضمان مشاركة فريق علمي يمثل طموح الوطن وتفوق شبابه.

وهنا يُطرح سؤال لا يمكن تجاهله: كيف لدولة ترفع شعار “النموذج التنموي الجديد” و”الاستثمار في الرأسمال البشري” أن تعجز عن تأمين مشاركة علمية لفريق صغير بسبب إجراء إداري؟ وإذا كان العائق مادياً، فلماذا لم يتم فتح المجال أمام الأسر أو الشركاء لدعم المشاركة؟ خصوصاً أن عدداً من الآباء أبدوا استعدادهم لتحمل النفقات.

صحيح أن تحميل المسؤولية لجهة واحدة يُبسط المشكلة بشكل مخلّ، فالأمر يتجاوز التقصير الفردي إلى خلل متعدد الأبعاد: إداري، تنسيقي، وربما حتى في ترتيب الأولويات. فالنهضة العلمية لا تُبنى بالشعارات، بل بخطط استباقية ومساطر واضحة، وتنسيق فعّال بين المؤسسات، وبانخراط مجتمعي حين تعجز الدولة عن تلبية المتطلبات.

المطلوب اليوم ليس مجرد الاعتذار أو تبرير ما حدث، بل مراجعة شاملة لطريقة تدبير المشاركات العلمية الدولية، ووضع آليات تضمن احترام الآجال والمواعيد، وتُشرك الفاعلين التربويين والمدنيين في دعم مثل هذه الاستحقاقات. لأن تكرار هذا النوع من الغيابات لا يُفقد المغرب فقط فرصة التتويج، بل يُضعف صورته كبلد يحترم كفاءاته ويؤمن بقدرتها على التميز.

في النهاية، لسنا أمام مجرد ورقة تأشيرة تأخرت، بل أمام امتحان حقيقي لمدى التزامنا بقيمة العلم، ولجدية إرادتنا في أن يكون لنا مكان مستحق في ساحات التميز العالمي. فحين يُقصى النبوغ بسبب الإهمال، يغيب الوطن عن مشهد المستقبل.

اترك رد