شح الكفاءات السياسية داخل الأحزاب: أزمة تنظيم أم أزمة ثقة؟
بقلم: عمر المصادي
تعد الأحزاب السياسية من أهم ركائز العمل الديمقراطي، فهي الفضاء الطبيعي لتأطير المواطنين وتكوين النخب السياسية القادرة على تحمل المسؤولية والمشاركة في تدبير الشأن العام، كما أن دورها لا يقتصر على التنافس الإنتخابي أو تقديم مرشحين، بل يمتد ليشمل تأطير المواطنين، وتكوين وعي سياسي جماعي، وابتكار الحلول الخلاقة للإسهام في التنمية الشاملة، سواء على المستوى المحلي أو الوطني.
غير أن الواقع الراهن يكشف عن ظاهرة مقلقة، تتمثل في شح الكفاءات السياسية داخل الأحزاب، وهو ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول الأسباب والنتائج وسبل المعالجة.
أولا: مظاهر الشح في الكفاءات.
في السنوات الأخيرة، لوحظ أن الكثير من الأحزاب السياسية أصبحت تعاني من ضعف واضح في القيادات المؤهلة، سواء من حيث التكوين السياسي والفكري، أو من حيث القدرة على التواصل والإقناع وصياغة البدائل، كما أن الخطاب الحزبي أصبح في كثير من الأحيان باهتا ومتجاوزا، ولا يعكس تطلعات المواطنين، خاصة الشباب، ولا يقدم رؤى تنموية واضحة أو حلولا قابلة للتنفيذ.
وتجدر الإشارة إلى أن شح الكفاءات يظهر بشكل أكثر وضوحا على المستوى المحلي، وبالخصوص داخل الجماعات الترابية القروية، حيث تسند مهام التسيير في الغالب إلى أشخاص يفتقرون للتكوين والكفاءة في إدارة الشأن المحلي، مما يؤدي إلى ضعف التخطيط، وغياب الرؤية التنموية، وتدني جودة الخدمات العمومية.

ثانيا: الأسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة.
يمكن أن تكون الأسباب الرئيسية لهذا الشح في النقاط التالية:
– غياب الديمقراطية الداخلية: تعاني العديد من الأحزاب من غلق المناصب القيادية أمام الكفاءات الشابة أو الجديدة، مما يكرس هيمنة نفس الوجوه ويدفع الطاقات الجديدة إلى العزوف أو الإنسحاب.
– ضعف التكوين السياسي والفكري: كثير من الأحزاب تفتقر إلى برامج حقيقية لتأهيل أعضائها وتمكينهم من أدوات التحليل وصياغة البرامج التنموية والسياسات العمومية.
– هيمنة المصالح الشخصية: أصبحت بعض الأحزاب فضاء لتصفية الحسابات أو قضاء المصالح، بدل أن تكون مدرسة في الوطنية والإلتزام والمسؤولية الجماعية.
– العزوف السياسي العام: بسبب فقدان الثقة في النخب السياسية، تعزف العديد من الكفاءات، خاصة من الشباب، عن الإنخراط في الأحزاب، معتبرين أن العمل الحزبي لم يعد وسيلة فعالة للتغيير أو التأثير.
ثالثا: كيف يمكن تجاوز الأزمة؟
لمعالجة هذه الإشكالية، يمكن للإحزاب أن تعمل على:
– إعادة بناء الثقة مع المواطنين، عبر ممارسات شفافة وديمقراطية.
– فتح المجال أمام الطاقات الشابة والكفاءات، دون شروط الولاء أو القرب من القيادة.
– تطوير آليات التكوين والتأطير السياسي المستمر، لجعل منخرطيها أكثر قدرة على التفاعل مع القضايا الوطنية، واقتراح حلول واقعية للمشكلات التنموية.
– تجديد الخطاب السياسي ليلامس هموم الناس بلغة واضحة، ويقدم بدائل عملية قابلة للتنفيذ.
وفي الأخير يجب التأكيد على أن شح الكفاءات السياسية داخل الأحزاب ليس مجرد خلل تنظيمي، بل هو مؤشر على أزمة ثقة أعمق، بين الأحزاب والمجتمع، وإذا كانت هذه المؤسسات تسعى إلى لعب دور محوري في المستقبل السياسي والإقتصادي والإجتماعي للبلاد، فعليها أن تعيد النظر في بنيتها الداخلية، وأن تعطي للكفاءة المكانة التي تستحقها.
فـالأحزاب القوية ليست فقط تلك التي تفوز في الإنتخابات، بل تلك التي تنجح في تأطير المواطنين، وتبتكر حلولا واقعية تسهم في تنمية المجتمع وبناء المستقبل.