شعار المرحلة “التعليم قضية الجميع، كل من موقعه، وليس قضية قطاع دون غيره”

بقلم: عمر أبو إلياس

إن التعليم هو قضية مجتمع، وأن رقي أي دولة وتطورها يقاس بمدى قدرة تعليمها على مواكبة مستجدات عصرها، وكذا  بكفاءة متعلميها، لذا فالتعليم هو القاطرة الجارّة لكل القطاعات الأخرى، لهذا نرى الأمم المتقدمة تهتم بهذا الميدان أيما اهتمام و تنفق في سبيل تطويره ملايين الدولارات و لا تبالي، لأنها تدرك بأن المكاسب منه ستكون أعلى بكثير من المصاريف، إذ أنها تستثمر في أهم عنصر من عناصر الاقتصاد والثروة الذي هو “الرأسمال البشري”.
لا أحد ينكر أن ميدان التعليم بالمغرب يعيش أحلك أيامه ويعرف صعوبات جمة، مشكل التعليم يتقاسم همه ومشاكله الجميع بدون استثناء، فهل الكل يقوم بواجبه على أحسن وجه، أم أن الكل متواطئ على جعل التعليم العمومي ببلادنا يصل إلى الحالة التي هو عليها الآن؟
لن يجرؤ أحد على القول أنه غير مسؤول، لأنه يعلم أنه يكذب على نفسه قبل أن يكذب على الآخرين.
لذا سأكون أكثر جرأة شيئا ما لقول الحقيقة المرة التي لا يريد البعض سماعها و وضع الملح على الجرح و لم لا “الكي” حتى نعرف حقا من المسؤول عن الوضعية التي وصل إليها التعليم بالمغرب.
الكل مسؤول، كل بحسب موقعه، الدولة، المجتمع، المواطن، المثقف، المجتمع المدني، السياسي، النقابي، الأسرة، جمعيات أباء و أولياء التلاميذ الأساتذ والمدرس والمتمدرس…

لكن ببساطة  يجب القول أنه من الصواب أن نعطي لكل مكون من مكونات النظام التعليمي مسؤوليته التاريخية و على ضوءها و حجمها يحاسب على جسامة الخطأ الذي اقترفه، و على العموم يمكن إجمال هذه المظاهر  في النقط التالية:
– على الدولة والمجتمع، بكل تياراته الدينية و السياسية و الفكرية و الإجتماعية أن يحدد “ماهية  المواطن المغربي الذي ينشده” و أن تحدد هذه التيارات بصفة نهائية المواصفات و المحددات التي يرونها مميزة للمواطن المغربي، بالواضح و بدون كذب على أنفسنا، لابد من الحسم النهائي في عدة قضايا أساسية في الإصلاح نبدأها بقضيتي “الدين و اللغة” التي أرى أن البعض أصبح يتخذهما مطية لزرع الفتنة بالبلد، لابد من قطع الطريق على كل المتلاعبين بالهوية المغربية من خلال اتخاذ قرار حاسم يجعل كل من يحاول المشي فوق حبل الفتنة يسقط على أم رأسه.
أيضا لا بد من الحسم في عدة قضايا كانت نعتبر إلى وقت قريب من المبادئ التي ينبني عليها كل إصلاح للمنظومة التعليمية بالمغرب. ألا و هي” التعميم، التعريب، المجانية”.
القطع مع سياسة “الكم” لفشلها، وتعويضها بسياسة ” الكيف” بتوفير تعليم جيد و فعال لأطفال وطننا ذكورا وإناثا.
يجب الحسم كذلك في مسألة “المجانية”، فإذا كانت ميزانية التعليم تسبب عبئا على الدولة فليس هذا بمبرر لأتباع سياسة “الكيل بمكيالين”، أي التدمير الممنهج للمدرسة العمومية و ربطها في غالب الأحيان بالمستوى المتدني الذي وصلنا إليه في المدرسة العمومية، مع التذكير أن أغلب المنظرين الحاليين لواقعنا التعليمي قد تخرجوا من رحم هذه المدرسة التي ينتقدونها اليوم، و التشجيع المستمر للتعليم الخصوصي رغم الاختلالات التي يعيشها هذا القطاع. بل على الدولة أن تتحلى بالشجاعة اللازمة لتشرح لمختلف فئات المجتمع الإكراهات التي تواجهها، بل إنها قد تشركهم في البحث عن الحلول.
ومن الضروري هنا أن نخبر المواطنين والمواطنات بأن التعليم هو قضية مجتمع برمته و ليس قضية العاملين فيه، و من هذا المنطلق فالمتدخلين في هذا القطاع هم جميع فئات المجتمع المغربي. كل واحد له مسؤولية في المستوى و الوضعية التي وصلنا إليها.

تحديد مسؤولية كل واحد من العناصر على حدة:
1- الدولة والمجتمع: أكبر العناصر المؤثرة في القطاع و التي بسياستها تتحكم في كل مجالاته، و تتجلى مسؤولية الدولة من خلال “الوزارة”، الإستثمار في الرأسمال البشري إذا استثمرت فيه بطريقة جيدة يعطي نتائج أفضل من أي قطاع أو عنصر أخر.
كما تتجلى مسؤولية الدولة في شخص وزارتها دائما، عند انفراد هذه الأخيرة بمبادرات الإصلاح بأسلوب فوقي غير متوافق عليه وعدم الأخد بالمقاربة التشاركية.
الشق الثاني من مسؤولية الدولة يكمن في “قطاعات أخرى”:
قطاع “التجهيز و النقل” ماذا فعل القطاع لفك العزلة لتسهيل وصول المدرس والتلميذ إلى المدرسة خاصة في المناطق النائية.
” قطاع الصحة” لتقريب الخدمات الصحية ومتابعة صحة التلميذ… قطاع “الجماعات الترابية” لإحدات فضاءات تثقيفية و ترفيهية للطفل… خاصة في المناطق النائية.

2- النقابات: لم تعد النقابات رمزا للنضال في أعين شرائح المجتمع بل صارت عنوانا للانتهازية و تحقيق المطالب النفعية الذاتية و المصالح الشخصية على حساب المصلحة العليا للشغيلة، ليس في قطاع التعليم فحسب، بل على حساب المصلحة العليا للشغيلة العاملة في كل القطاعات.

3- الأسرة: قطاع التعليم ليس ميدانا يحتكره عنصران اثنان (المدرس و المتعلم )، بل تتدخل فيه جميع عناصر المجتمع
و من بين هذه العناصر” الأسرة ” التي تعتبر شريكا أساسيا في العملية التعليمية / التعلمية، و يتجلى دورها في” جمعيات أباء و أولياء التلاميذ” وقد حدد الميثاق الوطني أدوار هذه الجمعيات و شدد على ضرورة تفعيلها و ثمن النتائج التي يمكن أن تترتب عن مساهمتها في توجيه القطاع التعليمي ببلادنا و لكن: “هل فعلا تقوم الأسرة بأدوارها جيدا أم تبقى الأمور حبرا على ورق؟”
لماذا تركت الاسرة دورها في تربية الأبناء و تركتها على عاتق المدرسين؟ لماذا نرى أن الآباء الذين يهتمون بمستقبل أبناءهم ينجحون في غالب الأوقات في الوصول إلى مبتغاهم في تطور أبناءهم بينما المهملون لأبناءهم لا؟
عندما تقوم الأسرة بأدوارها كاملة من مراقبة لأبناءها أولا و المدرسة و تجهيزاتها ثانيا و الأستاذ أخيرا عندها يمكننا التحدث عن إصلاح التعليم.

4- المتعلمون: لا تأخذ أغلب الإصلاحات مقترحات التلاميذ مأخذ الجد الكل يأتي بوصفات من الخارج يعتقد أن فيها العلاج للإختلالات التي تنخر جسد منظومتنا التعليمية.

5- المدرسون: هناك فئة من المدرسين لا يقومون بواجبهم خير قيام و ينتقدون الوضع الذي وصل إليه النظام التعليمي رغم أنهم أنفسهم لا يواكبون المستجدات التربوية.
ولكن بالمقابل هناك فئات عريضة يقومون بأكثر من واجبهم و لم ينالوا حتى التشجيع النفسي و الرمزي من المجتمع.
وفي الاخير تبقى قضية التعليم في المغرب قضية الجميع كل من موقعه وليس قضية قطاع دون غيره.

اترك رد