مناورات “شرقي 2025” بين المغرب وفرنسا تثير غضب الجزائر وتفتح باب التأويلات

منذ فترة طويلة، يشهد المغرب علاقات استراتيجية متينة مع فرنسا، تمثل في مجملها تعاونًا في مختلف المجالات، بما في ذلك العسكرية، التي تسهم في تعزيز الاستقرار في المنطقة. الإعلان عن المناورات العسكرية المرتقبة بين البلدين تحت اسم “شرقي 2025”، والتي من المقرر أن تتم في سبتمبر المقبل، ليس سوى استمرارية لهذا التعاون العسكري البنّاء الذي يعود إلى سنوات عديدة. ورغم أنه من الطبيعي أن تقوم الدول ذات المصالح المشتركة بتنظيم تدريبات عسكرية مشتركة، فإن الجزائر اختارت أن تثير موجة من الجدل حول هذه المناورات، متهمة إياها بأنها تحمل “دلالات حساسة”، دون تقديم أي أساس حقيقي لهذا الاعتراض.

من المهم أن نأخذ في الاعتبار أن الجزائر تتعامل بحساسية مفرطة تجاه كل تحرك عسكري مغربي، حيث يسعى النظام الجزائري بشكل مستمر إلى تصوير المغرب كتهديد وجودي، رغم أن المملكة المغربية لا تسعى في أي حال من الأحوال إلى تصعيد الوضع في المنطقة. إن التعاون العسكري بين المغرب وفرنسا هو أمر ضروري في سياق الوضع الأمني الإقليمي الراهن، خاصة في ظل التهديدات المتزايدة من الجماعات الإرهابية والهجرة غير الشرعية، اللتين تتطلبان تكاتف الجهود بين الدول الصديقة في إطار من التعاون المشترك.

وفي ظل عقدة النظام الجزائري مع أي تحرك عسكري مغربي، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بالمناطق الشرقية للمملكة، وهي قضية تحمل أبعادًا تاريخية تتعلق بالحدود التي رسمها الاستعمار الفرنسي، فإن المغرب ينهج سياسة هادئة تجاه هذه الملفات، مركزًا على تعزيز شراكاته العسكرية والدبلوماسية دون الالتفات إلى محاولات التصعيد الإعلامي من الطرف الآخر.

كما تأتي هذه الأزمة في سياق العلاقات المتوترة بين الجزائر وفرنسا، حيث تمر علاقاتهما بأحد أصعب فتراتها، بينما تستمر الشراكة الاستراتيجية بين المغرب وفرنسا بشكل طبيعي. ويبدو أن الجزائر تحاول استغلال هذه المناورات كذريعة جديدة لانتقاد باريس، بعد سلسلة من الخلافات التي أضعفت العلاقات بين البلدين في السنوات الأخيرة.

من جانب المغرب الذي يحرص على علاقات دبلوماسية بنّاءة ومتماسكة مع جيرانه ومع القوى الكبرى في العالم، يواصل تعزيز قدراته العسكرية في إطار شراكات استراتيجية، حيث لا يمكن نكران أهمية التعاون العسكري مع فرنسا في تعزيز الأمن الوطني والدفاع المشترك ضد التحديات المستجدة. إن التدريبات العسكرية ليست سوى أداة من أدوات تنسيق الجهود لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، وهي في النهاية تخدم أمن المنطقة ككل، ولا تقتصر على المصالح الثنائية بين المغرب وفرنسا.

في هذا الإطار، من الغريب أن تحاول الجزائر ربط هذه المناورات بتحركات توسعية مغربية، أو أن ترى فيها تهديدًا مباشرًا لأمنها. فالتاريخ يعلمنا أن الحدود بين الدول، بما في ذلك حدود الجزائر والمغرب، قد تم ترسيمها في ظل الاستعمار، ومع ذلك، فإن المغرب قد اختار دائمًا الحلول السلمية في معالجة أي خلافات مع جيرانه. إن الجزائر التي تسعى إلى إظهار نفسها كزعيمة في المنطقة عليها أن تتخلى عن المواقف الراديكالية وتقبل بتعزيز التعاون الإقليمي بدلًا من الترويج لمعارك وهمية.

المغرب لم يتوقف قط عن الدعوة إلى الحوار والسلام، وركز على بناء جسور التعاون مع مختلف الدول، بما في ذلك الجزائر، رغم التوترات السابقة. التعاون العسكري بين المغرب وفرنسا يجب أن يُنظر إليه من هذا المنظور: خطوة نحو تقوية القدرات الدفاعية للمنطقة ككل، وليس تهديدًا لأحد. بدلاً من استخدام هذه المناورات كذريعة للاحتجاج والتصعيد، كان من الأفضل للجزائر أن تستغل هذه الفرصة لتكثيف جهود التعاون الأمني في المنطقة، بما يخدم استقرار شعوبها ويحسن من فرص الأمن الإقليمي.

في نهاية المطاف، يجب أن يتوجه خطاب الجزائر نحو تعزيز الشراكات البناءة والتهدئة مع جيرانها، بدلاً من اتخاذ مواقف متشددة تستند إلى تأويلات بعيدة عن الواقع. المغرب، من جانبه، سيظل ملتزمًا بالسلام والتعاون لتحقيق الاستقرار في المنطقة، لأنه يدرك تمامًا أن هذا هو الطريق الوحيد لمواجهة التحديات الراهنة

اترك رد