من غزة يبدأ سقوط الطغيان ومن طوفان الأقصى يولد فجر الحرية

بقلم: ياسين امغان

من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، لم يعد هناك شعب لم يعبّر عن رفضه وكرهه الصريح للكيان الصهيوني.
لقد أصبح عداؤه ظاهرا للعيان، بعدما تكشفت أمام العالم جرائمه الوحشية في غزة، وسقطت كل الأقنعة التي طالما تستر خلفها باسم “الدفاع عن النفس” و”محاربة الإرهاب”.
العالم كله اليوم يشاهد الحقيقة بوضوح، ويرى المأساة بعينيه، بعدما كانت تروى له بصورة مزيفة لعقود طويلة.

لقد جاء طوفان الأقصى ليقلب الموازين كلها،
لم يكن مجرد عملية عسكرية، بل كان نقطة تحوّل تاريخية أعادت للقضية الفلسطينية حضورها القوي في وجدان الأمة والعالم.
كان زلزالا أيقظ الضمائر من سباتها، وفتح أعين الشعوب على واقعٍ ظل مخفيا طويلا خلف شعارات براقة كـ”السلام” و”المفاوضات”.
لقد كشف الطوفان الوجه الحقيقي للاحتلال، وأزال عنه قناع “الدولة الديمقراطية”، ليظهر للعالم أنه كيان إرهابي يمارس أبشع أشكال القتل والتدمير.

منذ اندلاع الطوفان، لم يعد الصمت ممكنا.
ملايين البشر خرجوا إلى الشوارع في العواصم والمدن الكبرى، من جاكرتا إلى لندن، ومن مدريد إلى نيويورك، يهتفون بصوت واحد:
“الحرية لفلسطين”.
لم تعد فلسطين قضية العرب وحدهم، بل أصبحت قضية العالم الحر، قضية الإنسان الذي رفض أن يكمم ضميره.

لقد رأى الناس أطفالا يخرجون من تحت الركام، وأمهات فقدن أبناءهن، ورجالا يودعون أسرهم قبل كل قصف جديد، فاهتزت الإنسانية جمعاء.
وانكشفت الأكاذيب التي كان الإعلام الغربي يروجها لسنوات، وظهر التواطؤ السياسي واضحا في صمته عن المجازر اليومية.
لكن طوفان الأقصى، رغم ما فيه من آلام وتضحيات، كان سببا في يقظة عالمية كبرى.
فما لم تستطع الخطابات والقمم السياسية تحقيقه خلال عقود، أنجزه الطوفان في أشهر قليلة.

لقد أصبح من الواضح أن العداء للكيان الصهيوني لم يعد موقفا أيديولوجيا، بل موقفا أخلاقيا وإنسانيا قبل كل شيء.
فالذي يرى ما يجري في غزة ولا يتحرك ضميره، قد مات قلبه.
وما عاد بالإمكان تبرير قتل الأطفال وتدمير المستشفيات والمدارس.
ولأول مرة منذ عقود، بدأنا نرى تحولا حقيقيا في الرأي العام العالمي، وبدأت الشعوب تضغط على حكوماتها لوقف الدعم العسكري والسياسي والمادي لذلك الكيان الغاصب
ولعل من أبرز آثار طوفان الأقصى أنه أعاد للقضية الفلسطينية مركزها الطبيعي في وجدان الأمة والعالم، بعد سنوات من محاولات التمييع والتطبيع والتجاهل، عاد اسم غزة ليتردد في كل بيت ومقهى وملعب وساحة، وعادت فلسطين لتصبح رمز الكرامة والحرية والمقاومة.
بل حتى أولئك الذين كانوا يلتزمون الحياد، أو يخافون من الكلام، أصبحوا اليوم يرفعون الصوت عاليا ضد الاحتلال، وضد كل من يدعمه أو يسكت عن جرائمه.

بين الصورة البارزة والعنوان

ومع توقيع اتفاق وقف إطلاق النار الأخير، يظن البعض أن الحرب قد انتهت وأن الدماء ستجف.
لكن الحقيقة أن الطوفان لم يتوقف، لأنه لم يكن معركة على الأرض فحسب، بل كان بداية معركة الوعي والضمير.
صحيح أن المدافع صمتت مؤقتا، لكن نار الوعي اشتعلت في القلوب.
كل بيت دمر في غزة، وكل طفل فقد عائلته، صار رمزا للإنسانية التي أهانها الاحتلال.
وصار من الصعب جدا على العالم أن يعود إلى ما كان عليه قبل السابع من أكتوبر.

لقد خسر الكيان الصهيوني صورته التي حاول لعقود طويلة أن يجملها.
خسر روايته التي كانت تبرر احتلاله، وخسر كثيرا من نفوذه في الإعلام العالمي الذي بدأ يتصدع تحت ضغط الحقيقة.
لقد سقطت هيبة “الجيش الذي لا يقهر”، وسقطت أسطورة “الضحية”، وبات العالم كله يرى أن هذا الكيان لا يعيش إلا على دماء الأبرياء.

طوفان الأقصى لم يكن نهاية مرحلة، بل بداية وعي جديد.
لقد أثبت أن المقاومة ليست فقط سلاحا بيد المقاتلين، بل فكرة حية في قلوب الشعوب،
وأثبت أن الكلمات الصادقة والصور الصادمة يمكن أن تحدث في العالم ما لم تحدثه الجيوش،
بل إن كثيرا من المفكرين والكتاب في الغرب بدأوا يعترفون اليوم أن ما يجري في غزة هو أعظم فضيحة أخلاقية في تاريخ البشرية المعاصر، وأن صمت المجتمع الدولي اشتراك في الجريمة

ومع ذلك، فإننا نؤمن أن الله لن يضيع دماء الأبرياء ولن تذهب سدى.
فما حدث في غزة، رغم قساوته، كان له أثر عظيم في كشف زيف الكيان وأعوانه وعملائه، وفي إعادة الوعي للأمة.
لقد علمنا طوفان الأقصى أن الحرية لا تمنح بل تنتزع، وأن الكرامة لا تشترى بل تحفظ بالدم والصبر والتضحيات والإيمان

واليوم، ونحن نرى العالم يتحرك من جديد، نوقن أن فلسطين لم تبقى وحدها.
هناك ملايين من القلوب التي تنبض من أجلها في كل مكان، وهناك جيل جديد، نشأ على الحقيقة لا على الروايات المزيفة والأكاذيب
جيل يعرف أن غزة ليست مجرد مدينة محاصرة، بل رمز لكرامة الإنسان وحقه في الحياة.

وسيبقى التاريخ يذكر أن طوفان الأقصى لم يكن طوفان دمار فقط، بل كان طوفان وعي وعدالة.
وأن من رحم المجازر ووسط الركام، ولدت مرحلة جديدة من التاريخ، شعارها:
من غزة يبدأ سقوط الطغيان، ومن طوفان الأقصى يولد فجر الحرية.

اترك رد