وتتواصل الأفراح في مغرب الانتصارات

بقلم: لحسن الجيت

لقد ظهر الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقا. فيوم الحادي والثلاثين من أكتوبر كان لحظة فاصلة بين الحق والباطل، وهو يوم تاريخي بالنسبة لبلادنا بعد أن سجّل فيه المنتظم الدولي، ولأول مرة، موقفا لا يقبل التأويل ولا القسمة على اثنين بصيغ ملتبسة يفسرها كل طرف على هواه كما كان من قبل. وتبيّن للجميع أن الزبد يذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض، فحبل الكذب ثبت بالدليل القاطع وبشهادة العالم أنه حبل قصير.

اليوم، بعد أن حصحص الحق وزلزلت الأرض من تحت أقدام الأعداء والخونة المتواطئين، خرج المغاربة عن بكرة أبيهم وبكل تلقائية وعفوية ليملؤوا شوارع مختلف المدن ابتهاجا بالانتصار الدبلوماسي، في فرحة ثانية في أقل من شهر بعد الإنجاز التاريخي الذي كان من ورائه المنتخب المغربي لكرة القدم بعد إحرازه كأس العالم على حساب أعتى منتخبات هذه اللعبة في كرتنا الأرضية. ولأن المكر لا يحيق إلا بأهله، سواء في السياسة أو الرياضة، فقدر الأعداء إذن ومن والاهم أن يحزنوا، وقدرنا نحن المغاربة أن نفرح، وأن يُجزى كل واحد بحسب نياته.

فمن حقنا نحن المغاربة أن نفرح، مثلما فرح معنا العالم بأسره سواء في مونديال قطر أو في مونديال الشيلي. أدخلنا الفرحة في نفوس الشعوب المستضعفة في هذه الأرض، في إفريقيا وفي الدول المغمورة، وأعدنا لهم الاعتبار، وباتوا ينظرون إلى المغرب نموذجا وقاطرة، وشدوا الرحال إليه.

هذا التوهج المغربي فرض نفسه ولم يكن وليد الصدفة ولا منّة من أحد، بل هو ثمرة عمل دؤوب بفضل قائد البلاد الذي آل على نفسه أن يرقى بالأمة المغربية إلى مصاف الأمم التي تتنافس مع هامات الشهب. وكذلك يعود الفضل في كل هذه الانتصارات والإنجازات إلى الخيارات الاستراتيجية التي وضعها جلالة الملك، ويواصل الليل بالنهار في متابعة حثيثة لترجمتها على أرض الواقع. وجلالته كان محقًا في خياراته، وواقع الحال يشهد على ذلك، وبفضل رؤيته الثاقبة وحكمته المتبصّرة استطاع أن يقرأ كل التحولات الإقليمية والدولية قراءة جيدة مكّنته من أن يبني عليها سياسات متوازنة، ووضعته على مسافة واحدة مع كل الأطراف الدولية. والعبقرية تتجلّى في القدرة على ضبط إيقاع هذه العلاقات وصونها من أن تتعرض لأي اختلال أو فقدان للتوازن بسبب تضارب مصالح الدول العظمى.

فقرار مجلس الأمن الدولي الأخير خير ما يمكن أن نستدل به في هذا المجال، إذ ليس من السهل أن توفّق بين المواقف المتضاربة لتقنع هذه القوى العالمية بوحدة الموقف تجاه قضيتنا الوطنية. إنها عبقرية ملك منفتح على العالم، وإنها كذلك عبقرية ملك عرف أن يضع الرجال المناسبين في الأماكن المناسبة، بدءًا من وزير الخارجية السيد ناصر بوريطة، اللبيب والإنسان الوديع، والسيد فوزي لقجع، سيد المستطيل الأخضر الذي “يُبيّض ويُبيِّض” النظام الجزائري، ووصولًا إلى أسد الأطلس وهو يزأر في نيويورك السيد عمر هلال، القاهر للنظام الجزائري الذي يرتجل كلماته من دون سابق إنذار ولا إعداد مسبق، يطاوعه لسانه و”يطوّع” خصمه سواء كان مندوبًا أو وزيرًا.

بين الصورة البارزة والعنوان

ما حققه المغرب على مستوى مجلس الأمن كان مفخرة لجميع المغاربة ومصدر اعتزاز لنا، لكنه بالرغم من ذلك فإن الخطاب الرسمي لم يذهب في اتجاه الشماتة والاستخفاف، بل كان على درجة كبيرة من الحكمة حينما كرر جلالة الملك في خطابه الأخير أن ما تحقق ليس فيه غالب ولا مغلوب. وهي رسالة واضحة أولًا للطبقة الحاكمة في الجزائر، وثانيًا موجهة لكل من يقف من وراء أية وساطة لإنهاء حالة التوتر في المنطقة، والتي أخذت حيزًا زمنيًا مبالغًا فيه وغير قابل للتصديق. كما أن معادلة “لا غالب ولا مغلوب” تنطوي على إرادة سياسية حقة قوامها عدم كسر الجسور للعبور إلى المستقبل، وتمكين حكام الجزائر من فرصة الحفاظ على ماء الوجه أمام شعبهم.

إنه لإنجاز كبير أن يعترف لك العالم، عبر مجلس الأمن، بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، لكن ذلك لم يخلق فينا الإحساس بالعظمة حتى نرى الآخر من زاوية الاحتقار والدونية، بل العكس من ذلك، كبُر فينا التواضع لنتواصل مع من يعادينا بكل احترام وتقدير. ولو صحّ لهم ما صحّ لنا لرأيت منهم العجب العجاب، فشتّان ما بين نُبل الملوك وخِسّة رجال الثكنات.

أما التائهون من أبناء جلدتنا والقاطنون تحت عباءة الوطن، فقد ظلوا كعادتهم يتابعون بصمت مريب، صمت القبور، تلك التطورات الدبلوماسية على مستوى مجلس الأمن من دون القيام بأي تحرك مساند في نطاق ما يعرف بالدبلوماسية الموازية، ولسان حالهم كأنه عديم الوطنية، وكأنهم كذلك كانوا ينتظرون لحظة يشمتون فيها بخيارات الدولة التي لطالما انتقدوها من خلال التحالفات التي أقامها المغرب مع الخارج.

لكن حينما خابت ظنونهم انقلبوا على أدبارهم خاسئين، وقامت بعض “الأحزاب الانتخابية” بقلب المعطف وادعت بدون حياء أنها كان لها دور في هذا الإنجاز من خلال الدبلوماسية الموازية. ولا بأس أن نذكّر تلك الأحزاب بأنها تجنّدت للقضية الفلسطينية على مدى ما يزيد عن سنتين، ونسيت أن لديها قضية وطنية تفوق كل القضايا. بل أكثر من ذلك، أن تلك الأحزاب كانت تهاجم بعض قادة الدول الغربية الذين كانوا يناصروننا في قضيتنا الوطنية، من بينهم الرئيس الفرنسي ماكرون والرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي لعب دورًا أساسيًا في بلورة قرار مجلس الأمن الأخير. أضف إلى ذلك أن تلك الأحزاب دعت إلى مؤتمراتها قيادات من الخارج تضمر العداء لوحدتنا الترابية.

اليوم ليس هو يوم المحاسبة، ولكنه يوم يجب أن يتعلم منه التائهون منا الدرس اللازم في الوطنية، وأن يبتعدوا عن اللعب فوق الحبال، أو أينما مالت الريح يميلون. فهم مدعوون إلى الثبات على المبدأ، وخير المبادئ الوطنية الصادقة التمسك بهذا الوطن.

اترك رد