بالواضح – يوسف البراق
رغم الوعود المتكررة بإحداث قطيعة مع سياسات الارتجال والمقاربات الترقيعية، لا يزال ورش الإدماج الاجتماعي في المغرب، الذي تشرف عليه كتابة الدولة لدى وزارة التضامن، يترنح تحت وطأة اختلالات بنيوية تجعل من شعارات “العدالة الاجتماعية” و”التماسك المجتمعي” أقرب إلى اللغة الترويجية منها إلى السياسات الفعلية.
منذ تعيين عبد الجبار الراشدي على رأس كتابة الدولة المكلفة بالإدماج الاجتماعي، سادت حالة من التفاؤل الحذر في أوساط المجتمع المدني، خصوصًا في صفوف الفاعلين في مجال الإعاقة، بالنظر إلى حجم الانتظارات والتحديات. غير أن الأشهر التالية كشفت عن بطء مقلق في وتيرة الإنجاز، وارتباك واضح في تنزيل البرامج المعلنة، بل وتراجعٍ في الثقة بين الإدارة ومحيطها الجمعوي.
عجزٌ تشريعي وإداري
رغم مرور سنوات على إصدار القانون الإطار 97.13 المتعلق بحماية حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة، فإن النصوص التطبيقية الأساسية لا تزال تراوح مكانها، وفي مقدمتها مرسوم تقييم الإعاقة، الذي يُعد مدخلاً ضرورياً للاستفادة من أي خدمات أو امتيازات. هذا التعطيل لا ينعكس فقط على الحقوق، بل يترجَم إلى حرمان فعلي لعشرات الآلاف من الأسر من فرص الدعم والمواكبة.
وحتى بعد الإعلان عن مشروع بطاقة “الشخص في وضعية إعاقة”، تَبيّن أن المشروع لم يتجاوز مرحلة النوايا، في ظل غياب أدوات التقييم الموحدة، وعدم جاهزية الهياكل المكلفة بالاستقبال والمعالجة، ما يعني أن المبادرة لم تُهيّأ لها الأرضية التقنية واللوجستيكية الضرورية.
أطر بدون أجور، ومراكز مهددة بالإغلاق
في مشهد يعكس هشاشة البنية التدبيرية، لا يزال الآلاف من الأطر الاجتماعية المشتغلة في الميدان بدون أجور منذ أشهر، وهو ما أدى إلى شلل فعلي في عدد من مراكز الاستماع والمواكبة والمساعدة الاجتماعية، وهدد استمرارية العديد من الخدمات الأساسية. أليس من المفارقة أن تتحدث الدولة عن “الإدماج الاجتماعي” بينما العاملون على هذا الإدماج أنفسهم يعانون من الإقصاء والإهمال؟
مقاربة تشاركية معلّقة
من المفترض أن يكون إشراك الجمعيات المتخصصة حجر الزاوية في أي سياسة اجتماعية فعالة. لكن في الواقع، عبّرت هيئات جمعوية عدة عن استيائها من انقطاع قنوات الحوار الجاد مع كتابة الدولة، مشيرة إلى غياب الاجتماعات الدورية، وإقصاء عدد من الفاعلين من المشاورات حول البرامج الوطنية. وبذلك، فشلت الإدارة في بناء جسور الثقة مع الشركاء الميدانيين، مكتفية بلغة البيانات والتصريحات الإعلامية.
ميزانيات مرصودة… لكن الأثر غائب
لا جدال في أن ميزانية صندوق التماسك الاجتماعي قد شهدت ارتفاعاً ملحوظاً، وانتقل الدعم المخصص للمشاريع المدرة للدخل من بضع مئات إلى آلاف المبادرات. إلا أن غياب نظام فعال لتتبع الأثر والتقييم، يفرغ هذه الأرقام من مضمونها، ويجعل من الصعب قياس الفرق بين ما يُصرف وما يتحقق فعلاً على أرض الواقع.
ورش مهدّد بفقدان المصداقية
المقلق في كل هذا، أن كتابة الدولة المكلفة بالإدماج الاجتماعي، بدل أن تكون أداة لتقليص الهشاشة، أصبحت في نظر الكثيرين نموذجاً لتكريس الفجوة بين الشعارات والسياسات. فحين تُرفع لافتات “الإدماج” في مؤتمرات رسمية، بينما تعاني الفئات الهشة من التعطيل الإداري، والتجاهل المؤسساتي، فإننا نكون أمام ورش مهدّد بفقدان المصداقية الاجتماعية والسياسية.
إن المطلوب اليوم ليس مجرد مبادرات ظرفية، أو حملات مناسباتية، بل إصلاح عميق لآليات التدبير، وبناء شراكة حقيقية مع الفاعلين المدنيين، وتفعيل النصوص القانونية المجمدة، وتوفير الموارد البشرية والمالية الكافية لورش يفترض أن يكون أحد أعمدة العدالة الاجتماعية في المغرب الجديد.