الحاجة إلى سياسة سياحية جديدة

بقلم: د. رضوان زهرو

تعتبر السياسـة السياحية بالمغــــــرب، حصيلة مقتضيات مختلف المخططات الثلاثية والخماسية المطبقة منذ سنة 1965؛ ويمثل هذا التاريخ، ميلاد السياحة في بلادنا، كأولوية للتنمية الوطنية، مع إنشاء وزارة السياحة كقطاع مستقل بذاته.

وفي إطار تثمين المؤهلات التي يزخر بها المغرب في مجال السياحة، تم خلال السنوات الأخيرة، اطلاق مجموعة من المبادرات الرائدة، والتي تهدف إلى جعل السياحة ركيزة أساسية للاقتصاد الوطني؛ أبرزها “المخطط الأزرق 2020″، الذي يرتكز على مفهوم المحطات الساحلية المندمجة و”الذكية” التي تهدف إلى إعادة التوازن للسياحة الشاطئية، من خلال خلق عرض مغربي تنافسي على الصعيد الدولي.

هذا المخطط الذي تقدر مجموع استثماراته، 8 ملايير أورو، حددت له خمس أولويات أساسية؛ تتمثل في:
– إنهاء الأوراش المتقدمة من رؤية 2010 ( تتعلق بالمنتوج، الإنعاش/التسويق، والنقل الجوي)
– المهن السياحية.
– التكوين.
– الجودة.
– والمحيط السياحي.
إضافة إلى رؤية 2020، التي تهدف إلى جذب ما يزيد عن 10 مليون زائر سنويا إلى المغرب.
وإلى جانب هذه الأولويات، هناك إنشاء الهيئة المغربية للاستتمار السياحي.

واليوم، ومع كل هذا المجهود، يعاني القطاع السياحي في بلادنا، من انهيار شبه تام؛ وهو القطاع الذي يعتبر من ركائز الاقتصاد الوطني، حيث تراجع عدد السياح الوافدين، نتيجة إغلاق الحدود برا وبحرا وجوا، بسبب توقف أنشطة النقل الدولي، وخاصة الجوي منه، والذي يعرف اليوم صعوبات مالية جمة في المغرب وفي بقية دول العالم من دون استثناء، بعد دخولها كرها في عزلة تامة وحظر شبه كامل، وتقييد صارم للحركة دام لشهور.

هذا الوضع الطارئ رافقه تراجع ملفت في عدد من الخدمات المرتبطة بصورة مباشرة أو غير مباسرة، بالقطاع السياحي، كخدمات المطاعم والفنادق والترفيه، والإرشاد السياحي وأنشطة وكالات الأسفار و البزارات ومنتوجات الصناعة التقليدية، وغيرها..

نتيجة كل ذلك، تراجع كبير وغير مسبوق، في عائدات السياحة، هذه العائدات التي ظل يعول عليها المغرب ولا يزال إلى الآن، لجلب العملة الدولية. والحفاظ على حد معقول من الاحتياطي الخارجي و بالتالي من التوازن في ميزان مدفوعاته.

السؤال الآن هو: كيف يمكن تجاوز هذه الأزمة؟

صعب جدا في اعتقادي، تجاوز هذه الأزمة، في الأجل المنظور. لأن ما بزيد من تأزم وضعية هذا القطاع، إلى جانب الصعوبات الظرفية، نتيجة جائحة كورونا، والتي جعلت الحكومة تقر عدد من الإجراءات المستعجلة للتخفيف من وطأة الأزمة بالنسبة للشركات العاملة في القطاع، كتأجيل سداد القروض، ومنحها بأقل الفوائد وإرجاء دفع الضرائب، إضافة إلى تقديم تعويضات شهرية عن فترة التوقف لـ %70 من المستخدمين بالقطاع؛ هناك عدد من الإكراهات البنيوية التي يعاني منها القطاع، وذلك منذ عقود، وتحتاج إلى وقت أطول ومجهود أكبر لتجاوزها، نذكر أبرزها:

– غياب وعلى مر السنين الأخيرة، ومع جميع الحكومات المتعاقبة (غياب) الرجل المناسب والمسؤول الكفء والجاد، الذي يستطيع النهوض بالقطاع وتنزيل جل البرامج والإجراءات ذات الصلة بالقطاع، وخاصة تلك المتظمنة في ما سمي ب”المخطط الأزرق 2020″، كمخطط قطاعي متكامل وطموح جدا (تنزيلها) بالجودة المطلوبة وفي الآجال المحددة لها.

– الاعتماد الكلي للنهوض بالقطاع، على سياسة المنتجعات والقرى السياحية؛بمعنى الاعتماد على البنيات بدل الاعتماد على الإنسان، بقيمه وثقافاته، وتاريخه وحضارته، أي ضرورة الاعتماد على الرأسمال اللامادي للدولة والمجتمع.

– غياب سياسة وطنية للنهوض بالسياحة في بلادنا، وضعف ملحوظ في استراتيجية التواصل، التي تعتمدها الجهات الوصية؛ من طرف القطاع الحكومي المعني مباشرة، وخاصة المكتب الوطني للسياحة، والمجالس الجهوية للسياحة، وباقي الفاعلين في القطاع؛ بعبارة أخرى غياب استراتيجية تسويق ناجعة ومستمرة في الزمن، والتي تستطيع الترويج للمنتوج السياحي المغربي بكل ثقة وإصرار، والاكتفاء مقابل ذلك باستراتيجية تواصلية ناعمة لا تعتمد الغزو والاقتحام، من خلال مخطط عمل مدروس ومتكامل، للترويج الواسع على جميع المنصات والوسائل المتاحة.

– ضعف في تكوين وتأهيل الموارد البشرية رغم المجهود الكبير الذي بذل ويبذل لحد الآن، في هذا المجال تحديدا، وأحيانا عدم جدية العاملين في القطاع وقلة صدقيتهم، ومضايقتهم أحيانا للسائح؛ مما يجعله يقرر عدم العودة مجددا مرة أخرى، علما بأن الرفع من عدد السائحين، عالميا يبقى رهين بالدرجة الأولى بمسألة العود هذه.

– ضعف في العروض المقدمة وفي الخدمات والأنشطة المقترحة، وقلة المواقع والمزارات ذات القيمة الأثرية والتاريخية الكبيرة، خاصة في بعض المدن والجهات. ثم أيضا الخصاص الملحوظ في المتاحف الوطنية وفي دور الثقافة وفي المهرجانات الفنية المغربية الأصيلة والعروض المسرحية والأفلام السينمائية التي تعبر عن واقع بلادنا وخصوصيتها وهويتها.

– كذلك الأسعار المرتفعة للمبيت في الفنادق وكذا أسعار باقي الخدمات، وأحيانا بجودة ضعيفة، بالنسبة للسائحين الوطني والأجنبي، على السواء، والتي تبقى على العموم غير تنافسية، مقارنة مع ما هو معمول به في عدد من دول العالم، حتى منها تلك ذات الدخل المرتفع.
– عدم الوعي مبكرا أو عدم الاهتمام، إلا إلى وقت قريب جدا وفي ظل الجائحة، بجدوى السياحة الداخلية. كسياحة داعمة ومكملة ومعوضة أحيانا كثيرة، والدور الذي يمكن أن تقوم به حاضرا ومستقبلا.

اترك رد