الربيع العربي المغربي وحزب العدالة والتنمية: الوهم والمغالطة

بقلم: عبدالله لعماري (*)

انصرمت عشر سنوات على تاريخ 20 فبراير 2011، اليوم الذي انخرط فيه الشباب المغربي في الانتفاضة العربية الشاملة التي اندلعت في الشارع العربي، لحمل الأنظمة العربية على الإصلاح والتغيير، أو لإجبارها على الزوال في بعض الأقطار، فيما عرف تاريخيا بالربيع العربي. وانصرمت أيضا عشر سنوات على الخطاب الملكي بتاريخ 09 مارس 2011، والذي كان استجابة شاملة لمطالب الشارع المغربي.

وفي المغرب ، تولد من بين تداعيات هذه الحركة التي شملت اغلب المدن المغربية ، أن خرج حزب سياسي كان محشورا على هامش الصيرورة السياسية للبلاد ، وهو حزب العدالة و التنمية ذي الأصول الإسلامية ، خرج من الهامش السياسي ، ليتصدر انتخابيا موقع المقدمة في المشهد السياسي ، مستفيدا من الفراغ الانتخابي الكبير، الذي أحدثه العزوف السياسي العريض كنتيجة مترتبة عن الحراك الشعبي الاحتجاجي ، من جهة، ومن جهة أخرى ، كحالة تولدت عن موقف المقاطعة التي دعت إليه حركة 20 فبراير والأحزاب والجمعيات المنضوية تحت لوائها ، من يسار ، و إسلام سياسي معارض .

واستفاد أيضا حزب العدالة والتنمية ، في ظل هذا السياق الاحتجاجي الواسع من التدخل السياسي و الإداري السلطوي الممنهج، و الذي كان من مصلحته إعادة ترتيب الأوضاع ، وافتعال تجديد النخب ، من خلال ترفيع حزب العدالة والتنمية إلى موقع الصدارة الانتخابية ، ومن ثم ، تقعيده في سدة السلطة بجعله يتبوأ الموقع المتقدم و الرئاسي في حكومة ما بعد واقع 20 فبراير .

غير أن قادة حزب العدالة والتنمية لم ينفكوا يرددون على الرأي العام، طيلة هذه العشر سنوات ، أنهم وحزبهم ، هم من حمى الاستقرار في البلاد ومن حمى النظام السياسي الملكي حتى ، من بأس حراك 20 فبراير، ويغمزون عن قناة ما وقع في الأقطار العربية الأخرى من انفراط عقد أمنها ، وانهيار أوضاعها ، وزوال بعض أنظمتها، وأن المغرب ما كان له أن يسلم ويتوقى شرور المرحلة ومخاطرها ، لو لم يكن حزب العدالة والتنمية مجافيا لهذا الحراك، ومتصديا له.

تلك هي مقولة عبد الإله بنكيران زعيم الحزب و رفاقه، و التي مَرَدُوا على ترديدها بمناسبة و بغير مناسبة، مزايدة واستكثارا وتفضلا على أولي الحكم ومساومة على دور وحضور متوهم.

لكنه الوهم الذي عمر العقول، حتى صار عقيدة راسخة، وصار ترديده مغالطة للرأي العام والتاريخ.

وقد تكون المغالطة خالجت تصديق حتى بعض أصحاب القرار، والمهتمين والباحثين، غير أن الواقع لا يرتفع بالأوهام والمغالطات وتحريف مجرى التاريخ.

نعم كان المغرب استثنائيا في الحفاظ على استقراره بعد هبوب عواصف الربيع العربي، ولكن ذلك كان مرده إلى انتصاب ومعالجة طرفين رئيسيين في معادلة هذا الاستقرار، كانا استثنائيين في أدائهما وعقلانيين في تدبير وتطويق آثار هذا الزلزال العربي .

الطرف الرئيسي الأول يتمثل في حركة 20 فبراير وما استوعبته من الأحزاب اليسارية الداعمة لها،  وجمعيات المجتمع المدني، و التيار الإسلامي المساند لها، متمثلا في جمعية جماعة العدل والإحسان.

فقد حددت الحركة شعاراتها وآفاقها في سقف الإصلاح والتغيير السلمي ، دون الانجراف آو الانزلاق إلى ما يمس جوهر النظام السياسي وكينونته ، فنادت بإسقاط الفساد والاستبداد ، واستنكفت أن تنادي بما نادت به شوارع عربية أخرى بشعار إسقاط النظام ، فكانت بذلك واعية عميق الوعي بضرورة مراعاة ثوابت ما عليه البلاد، متجذرا في نسقها الاجتماعي والتاريخي ، وكانت بذلك ممارسة للعقلانية والواقعية في أدائها الاحتجاجي، وفي رسم خارطة الطريق للحراك، بما يحفظ لحمة الشعب والمجتمع والدولة.

والطرف الرئيسي الثاني في الحفاظ على استقرار البلاد ، هو النظام السياسي المغربي ذاته ، بالتجاوب المباشر والواضح والسريع والفعال الذي جاء في مضامين الخطاب الملكي التاريخي يوم 9 مارس 2011 ، وبما أعلن به الملك بوعي راق احتضانه للمطالب الشعبية المعلنة ، واستيعابه لضرورات المرحلة ، وتفهمه للسياق السياسي والاجتماعي الوطني والعربي الذي تلوح فيه بشائر أو نذر التحولات ، ويصبح فيه تجديد التعاقدات الاجتماعية واقعا ملحا ، وغاية إنقاذية عاجلة .

ومن ثم فقد كان الخطاب الملكي وما حفل به من الوعود الدستورية المتجاوبة مع المطالب المشروعة والشعارات المرفوعة المُشْرَعَةِ ، كان هذا الخطاب الحجر الأساس في تحديد معالم وخارطة طريق الربيع العربي المغربي .

وكان لبنة أساسية في تدشين حوار مباشر ومكشوف ومنتج، دون وسائط من أحزاب أو مؤسسات دستورية، وغير دستورية، بين الملك ممثلا للنظام والدولة والأمة والحقيقة التاريخية المغربية، وبين الشعب مُمَثَّلًا من طرف طليعتها المطالبة، متجلية في الحراك وقواه السياسية والاجتماعية .

فكان هذا الحوار العلني والبناء بين المطالبة الشعبية بالتغيير وبين الوعد الملكي بالإصلاح والتغيير، هو المؤسس لآفاق الاستقرار والسلم والأمن، التي أظلت المغرب في تلك المرحلة العصيبة، وأنتجت كل المراحل التي تتالت من بعد، مهما كان التقييم بشأنها ، بما تقل به إيجابية أو تتعالى .

في هذا السياق التاريخي المشهود لم يكن لحزب العدالة والتنمية في واقع البلاد أثرًا مذكورا، ولم يكن حتى للحركة الإسلامية التي أنجبته هذا الأثر المذكور.

ناهيك عن الصخب الكلامي الذي كان يصدر عن زعمائه ، في مواجهة حركة 20 فبراير والذي كان مجرد نفخة فارغة في واد سحيق، لا ينفذ وقعها حتى في صفوف قواعد الحزب ومتعاطفيه، والذين كانوا ممن يؤثثون شوارع الحراك متمردين على قياداتهم المعزولة بجعجعتها الكلامية.

واللبنة الثانية في بناء هذا الاستقرار والأمن والاستمرار و صونه، وتجنيب البلاد مخاطر ومتاهات أقطار عربية أخرى ، هو من جهة أولى: الأداء المتزن والناضج لحركة 20 فبراير في خرجاتها السلمية والنظامية والمنضبطة، والحامية لصفوفها من الفوضى والانزلاق والاختراق والتجاوز و الاصطدام.

 وهو أيضا ومن جهة ثانية: التعامل العقلاني والسلمي والرزين والهادئ لأجهزة السلطة ومؤسساتها بعدم اللجوء إلى العنف والقوة والقمع في مواجهة الشارع المغربي، وترجيحها منطق التؤدة والأناة والنفس الطويل، على منطق الانفعال والتسرع والصدام، تفعيلا وصونًا لروح الحوار المباشر الذي انبجس من خلال الخطاب الملكي ل 9 مارس.

فكان دور هذه الأجهزة والمؤسسات والقوى المنتظمة بها، يقتصر على المواكبة وعلى التتبع والمراقبة، وحماية امن الشوارع و خرجاتها بنفس طويل مديد، لا تشوبه سوى بعض الانفلاتات الجزئية، والتي كانت لا تؤثر على المسار العام للسياسة الأمنية السلمية.

وإذن فقد كان في هذين الطرفين وأدائهما، الركنين الأساسيين والرافعتين الفاعلتين، لاستثنائية المغرب في حراكه الربيعي المغربي، وفي تجذير الاستقرار وترسيخ الاستمرار، بما أنتج من تعاقد دستوري جديد.

استقرار واستمرار وتعاقد دستوري جديد لم يكن فيه لحزب العدالة والتنمية ولا غيره من الأحزاب السياسية، يد أو قدم أو حتى أصبع في حمايته ، ولا في ولادته ولا في إشراقه.

وأنى لحزب العدالة والتنمية ولا لزعمائه المنتفخين بالوهم والغرور، أن يقفوا في وجه الأمواج البشرية الهادرة المؤمنة بالتغيير والحالمة بغد أفضل، أنى لهم ذلك وما استطاعوا ولم يستطعوا أن يحولوا مجرى المسار بمجرد الكلام والادعاء.

والحقيقة الساطعة والتي ليست وهما ولا ادعاءا ولا تزييفا للتاريخ، هي أن حزب العدالة التنمية هو الذي استفاد من الحماية والولادة والرعاية في ظل تلك الأوضاع التي أنجبت التعاقد الدستوري الجديد بفضل حركة الربيع المغربي.

وما المولود بأجدر أن يتفضل أو أن يتفاخر على الوالد.

(*) رئيس المجلس الوطني لحزب النهضة والفضيلة

اترك رد