السمكة السعيدة

بقلم: د. نجية الشياظمي

جلست اتاملها وهي في ذلك الحوض الزجاجي ، تلعب و هي تروح يمنة و يسرة في خفة و رشاقة ، لا يشغل بالها شيء، أو هكذا كنت اعتقد على الأقل، برتقالية اللون الذي يميل إلى الذهبي، تلعب زعانفها في الماء، و فويقعات الهواء تنبعث من الأسفل لتصل إلى سطح الماء الهادئ، تمنيت في لحظة لو أنني اكون مكانها، مجرد سمكة صغيرة، لا هم لها في هذه الدنيا، سوى حفنة هواء، وقبسة غذاء، تلعب نهارا و تنام ليلا.
تراجعت لحظة عن فكرتي و امنيتي ، فأنا لا أعلم علم اليقين فيما اذا كانت حقا سعيدة بهذا العيش ام انا مجرد واهمة، فكثيرا ما تكون المظاهر خادعة و كاذبة
لا لا اود ان اكون تلك السمكة البائسة حتى و لو كانت تبدو لي سعيدة، لا اود يكفيني حالي هكذا فأنا في احسن حال، في لحظة بسيطة غيرت تفكيري و تنازلت عن امنيتي ،وأحمد الله انني فعلت ذلك .
ما اكثر تلك المواقف التي تمر بنا ونحن نغبط شخصا ما لمجرد رؤيته مسرورا وفي احسن حال، فنتخيل انه ينعم بكل السعادة التي يرجوها كل منا، و نحن في الحقيقة لا نرى إلا الشكل الخارجي الجميل و المنمق لانسان ينخر الحزن والتعاسةأعماقه ، كحبة الفاكهة تلك
التي تبدو طازجة براقة من الخارج ،و ما تلبث أن تفتحها حتى يتبين لك مدى فسادها و عدم صلاحها لأي شيء لا للاكل و لا حتى للزينة.
و هكذا نستمر في إصدار الأحكام على الناس فقط من خلال أشكالهم الخارجية فقط، وقد صدق الشاعر حينما قال :
“لا تحسبوا رقصي بينكم طربا
فالطير يرقص مذبوحا من الألم”
ما اعمق هذا الكلام الذي يزيل الغشاوة عن العيون ليكشف عنها الحجاب وتتبين الحقيقة المخفية التي لا يعلمها إلا من يعاني منها و من كتبها عليه، خالقه سبحانه.
كم نبني الكثير من الأفكار على أوهام لا تمت إلى الواقع بصلة أو رابط. قلوب الناس وأحوالهم كهوف مظلمة لا يتمكن أحد من اكتشاف خباياها و لا أسرارها، لا أحد ينعم بالسعادة إلا من هو قانع و مكتف بحاله، و ما اتعس من لا يتوقف عن مراقبة الناس و متابعة أحوالهم و شؤونهم و هو لا يمنع نفسه من التفكير بأنهم احسن و أسعد حالا منه .

اترك رد