السيطرة ام المصاحبة

بقلم: نجية الشياظمي

يحب الآباء و الأمهات السيطرة و يحب الأبناء الحب و المصاحبة ، و جل من تربى بالسيطرة ذعن و استسلم في البداية ، ثم ما لبث أن ثار و انتفض و تمرد حينما أحس بالظلم نتيجة ذلك . ما يؤخذ باللين أقوى و أجمل مما يؤخذ بالعنف و القسوة ، و لأننا تربينا بطرق تقليدية و لمسنا من خلالها نتائج شبه إيجابية، أحسسنا بعدها و حينما كبرنا بشخصياتنا و قد كانت ملغاة و غائبة ، أحسسنا بأننا كنا أناسا ناقصين ، غير مكتملين ، فما فائدة إنسان خاضع غير مساهم في محيطه و واقعه ، قد نعتقد أحيانا أن السيطرة هي ما سيحقق لنا الاحترام و الإلتزام من طرف الآخرين ، لكننا نكتشف أننا كنا مخطئين و خصوصا حينما كانت هناك ردة فعل عكسية لكل ما قمنا به، فخسرنا كل شيء ، فما أكثر الشبان و الشابات الذين فضلوا مغادرة أسرهم حينما وجدوا أنهم مجرد عبيد عند أهلهم فاستاءوا منهم و فضلوا مغادرة سجونهم الفخمة ، و رحلوا للأبد ، فضاع الآباء و الأبناء ، و لولا قسوة أولئك الكبار ما ثار الصغار و لا انتفضوا و رموا بكل شيء ، و ليس هناك ما هو أصعب من عش فارغ هجره أصحابه فأصبح باردا حزينا لا يصلح لشيء .
تحتاج التربية الحديثة إلى وسائل ذكية لا إلى سلاسل و قيود ، تحتاج إلى قيود ناعمة غير مرئية ، قيود المحبة و التفهم و التقدير ، لا العنف و الكلام الجارح ، قد تكون هاته الوسائل مجدية في زمن مضى و انقضى ، لكنها لم تعد صالحة لزمننا هذا البتة ، خصوصا في زمن أصبح فيه العالم كله يتصرف بنفس الطريقة و يعيش بنفس الشكل ، أكل واحد ، شرب واحد ، لباس واحد ، قصات شعر واحدة و أفكار واحدة و ربما أكثر… فكيف يمكننا أن نجذب انتباه أبنائنا على أمور غير تلك التي تعودوا عليها و نراها تفرض عليهم بطرق مختلفة : عن طريق وسائل السمعي البصري و ما يشاهدونه على مختلف الشاشات الصغيرة و الكبيرة . لا سلاح أقوى من سلاح الحب و المصاحبة و المدح .
نحن عشاق المقارنة و النقد و اللوم ، نحن قادة القمع و العنف ، نحن سادة السيطرة و التخويف . نهوى كل هذه الوسائل المرعبة رغم اقتناعنا بعدم جدواها و فائدتها ، لكننا لا زلنا ننادي و نتشدق بأنها أفضل وسائل التربية فقط لأننا كنا ضحاياها و ها نحن نود أن نضحي بأجيال و أجيال نتيجتها ، فما أحوجنا لإعادة النظر و التفكير في وسائلنا التربوية الفاشلة لأجل تعويضها بوسائل أفضل و أجدى و أنفع لنا و للأجيال القادمة

اترك رد