النظام الاقتصادي الرأسمالي عولمة للفقر والاستغلال.. والبديل العودة إلى العلاج الإسلامي..
بقلم: د. طارق ليساوي
في مقال بعنوان “نجحت الصين في تحويل الأزمات إلى فرص” خلصنا إلى أن العولمة بقدر ما ولدت فرصا للبلدان والشعوب، إلا أنها أفرزت جملة من السلبيات والآثار العابرة للحدود ومن ذلك عولمة الأزمات والتأثيرات المالية والاقتصادية، فانتشار وباء في بلد من البلدان يفرز حالة من الذعر في بلدان أخرى، ولا أحد من البلدان خارج عن دائرة الأزمات المتتالية، والبلدان الهشة والضعيفة سياسيا واقتصاديا لا تجني من العولمة إلا الطالح، أما الصالح فمن نصيب البلدان والحكومات القوية، ومن دون شك أن الصين واحدة من هذه البلدان القادرة على تحويل الأزمات إلى فرص..ولعل هذا الأمر وغيره هو الذي دفع العديد من الخبراء إلى البحث عن بدائل للنموذج الاقتصادي الرأسمالي، على إعتبار أن العولمة بمختلف مظاهرها هي نتاج لتشابك العلاقات المالية والتجارية والاقتصادية.. وما صاحب ذلك من سرعة انتقال رؤوس الأموال والاشخاص والمعلومات…
ومن ضمن البدائل التي أصبحت الأحداث والوقائع تؤكد فعاليته، خاصة بعد اندلاع الأزمة المالية العالمية لعام 2008، الاقتصاد الاسلامي أو بعبارة أدق التنمية وفق التصور الإسلامي، وسنحاول في هذا المقال توجيه أنظار القارئ وصانع القرار العربي، إلى غنى وفعالية هذا المنهج خاصة وأن العديد من البلدان أخذت بمبادئه السامقة، ومنها العدل والمساواة والحرية واحترام كرامة الانسان بعيدا عن التمييز العرقي أو الديني، والغريب أن العديد من البلاد الغربية المتقدمة طبقت روح تعاليم الاسلام في تنمية بلدانها وشعوبها ، نعم لم تقتبس الأيات والأحاديث والأحكام الفقهية، لكن توصلت عبر الجهد والإصلاح إلى تحقيق غايات الاسلام الأسمى في تنمية الإنسان وتوسيع خياراته، ونجحت إلى حدما ما في مواجهة نواقص ومثالب النظام الاقتصادي الرأسمالي -الذي أُبْتلينا بطالحه ولم نستفد من صالحه في ظل أنظمة عربية عاجزة وجاهلة-، كما أن بلدان أخرى إسلامية نجحت في تحقيق الاقلاع والنهضة عبر الاستفادة من تعاليم الاسلام ومن ذلك التجربة الماليزية، التي سبق وخصصنا لها أكثر من مقال..
أولا- بعض مثالب النظام الاقتصادي الرأسمالي:
النظام الاقتصادي الرأسمالي السائد تحكمه نواقص بنيوية تعد سببا في متتالية الأزمات ومنها:
-
تسليع المال: فالمال أصبح يولد المال دون الحاجة إلى العمل، فتكدس الثروة بواسطة الثروة نفسها وليس بواسطة العمل، فمنذ عام 1971 إلى الآن، كان التوجه العام للاقتصاد الرأسمالي يؤشر إلى أن القطاع المنتج في تباطؤ، وأن القطاع المالي هو الذي ينمو بشكل سريع، وتشيرالتقديرات إلى أن 90% من الحركة اليومية للرأسمال تتمركز في القطاع المالي، وبالتالي فإن الاقتصاد الحقيقي لا يحظى إلا بنحو 10% من النشاط المالي. وهذا الأمر فرض -بالضرورة- أن تتحكم “الأوليغارشية” المالية بمجمل الاقتصاد، وبالسلطة في الدول الرأسمالية، وأن تفرض منطقها عالميا، وأن تصبح آليات النهب هي السائدة في عموم النمط الرأسمالي المحلي والعابر للحدود، ومن ذلك، التوسع في سياسات خفص الأجور، والتخلي عن الضمان الاجتماعي والصحي والتعليم المجاني، وزيادة العاطلين عن العمل..
-
نظام هدفه الأساس نمو الثروة، بغض النظر عن النتائج الإنسانية والاجتماعية والبيئية…
-
تحويل السلطة من الحكومات إلى الكيانات الاقتصادية العابرة للحدود، وهو ما أدى إلى تقييد الحكومات والسياسات أمام الكيانات الإقتصادية الرأسمالية الضخمة، وبالتالي التأثير على القرار السياسي والتحكم فيه مما يؤدى إلى انحياز السياسات الإقتصادية والتنموية إلى طبقه بعينها، مما يؤدى بالنتيجة إلى توسيع دائرة الحرمان الاقتصادي والاجتماعي مقابل توسيع خيارات القلة المهيمنة على السلطة والموارد الاقتصادية
ونتيجة لهذه الاختلالات البنيوية، أصبح من الضروري بحث عن طريق ثالث وسط، فمن المستبعد العودة للنظام الإشتراكي الذي تبت فشله في بلدان المهد، ومن الصعب الاستمرار في نظام رأسمالي أصبح أقرب لإنتاج الأزمات والكوارث الإقتصادية والمالية والصحية، بدلا من إنتاج الثروة وتعميم الرفاه وتعزيز الاستقرار والانضباط…
ثانيا- مدلول التنمية في الفكر الإسلامي
الفكر الإسلامي بشكل عام لم يستعمل مصطلح التنمية، و إنما وظف مصطلح العمارة أو التعمير حيث قال تعالى في محكم كتابه :﴿هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها ﴾ و يفسر الإمام القرطبي في كتابه جامع الأحكام هذه الآية بقوله: ”أنها تقصد طلب العمارة لاستعمالها السين والتاء في استعمركم للطلب والطلب المطلق من الله يكون على سبيل الوجوب” وتبعا لذلك، تعرف التنمية – العمارة في ظل الفكر الإسلامي بأنها: ” تلك العملية التي يتم بموجبها استخدام كل الموجودات أو المخلوقات في هذا الكون من ثروات طبيعية ووسائل علمية حديثة وطاقات بشرية من أجل تنمية جوانب الإنسان الروحية والخلقية والمادية بصورة متوازنة من غير إفراط أو تفريط في جانب من هذه الجوانب على حساب جانب آخر حتى نستطيع توزيع الناتج بما يحقق حد الكفاية المتناسب مع حجم هذا الناتج لجميع أفراد المجتمع وتقليل نسب التعاون العادي بين فئات المجتمع”.. والتنمية في الفكر الإسلامي تستهدف تحقيق جملة أهداف لعل أهمها:
-
أن تستند عملية التنمية بالدرجة الأولى على القوى الدائمة للمجتمع؛
-
أن تضمن عملية التنمية تحقيق نموا متواصلا ومستمرا من خلال تجدد موارد المجتمعبدلا من استنزافها؛
-
أن يكون التغيير في حجم النشاط الاقتصادي بالزيادة؛
-
أن تلبي حاجات الغالبية العظمى لأفراد المجتمع؛
-
أن تحقق توازنا بين قطاعات المجتمع الاقتصادية، مع تحقيق قدرا أكبر من العدالة بين الأفراد والمجتمع.