بين “الأشباح” و”التشبيح”..

بقلم: يونس فنيش
شاهدت برنامجا شيقا كانت بطلته السيدة عمدة الرباط خاصة لما أثارت مشكلة “الموظفين الأشباح” أو “المشبحين” إن صح التعبير، و إن كان هذا الموضوع يحتاج إلى مزيد من التدقيق و التشخيص؛ و سيكون الأستاذ الصحفي صاحب برنامج “مع الرمضاني” شجاعا إن استضافني لبرنامجه على قناة 2M للحديث بدون لغة خشب، و بطريقة بناءة، و بموضوعية، عن الوظيفة العمومية، بصفة عامة، و المشاكل الحقيقية التي تواجهها و الحلول الضرورية الواجب اعتمادها، و سبل الرقي بالإدارة العمومية إلى الأفضل باعتماد حلول منطقية و علمية قابلة للتطبيق و بناء على التجربة. و شكرا مسبقا لصاحب البرنامج المذكور أعلاه.
و في انتظار الدعوة من طرف الأستاذ الصحفي صاحب برنامج “مع الرمضاني”، لابأس من تقديم بعض التوضيحات الأولية في شأن واقع تدبير الموارد البشرية تفاديا لكل لبس أو خلط في المفاهيم.
فبعد خرجة عمدة الرباط المدوية حول ما أضحى يصطلح عليه “الموظفون الأشباح”، تساؤلات عديدة تطرح :
1- إذا كان 1000 موظف و موظفة في مجلس جماعة الرباط يحضرون و 2400 لا يحضرون، إن صحت الأرقام، فمن ضمن الألف موظف و موظفة الذين يحضرون كم عدد الذين يعملون فعلا، و كم عدد من يحضر بلا أن يعمل و لماذا، و كم عدد الملتزمين بالتوقيت الإداري و كم عدد الذين يكتفون بتسجيل حضورهم فقط و لماذا؟
2- في حالة حضور 2400 موظف و موظفة الغائبين، هل المكاتب متوفرة لاستيعابهم و ماذا ستكون مهماتهم؟
3- هل 2400 موظف و موظفة في مجلس جماعة الرباط، تركوا مهماتهم مما أدى إلى تعطيل المصالح الإدارية أم أنه لم يسبق أن كانت لديهم أي مهام منذ التحاقهم بالوظيفة العمومية…؟
4- هل 2400 موظف و موظفة في مجلس جماعة الرباط كلهم “أشباح” فعلا أو من بينهم من تم “تشبيحهم” بطريقة أو بأخرى…؟
طيب.
الرأي أنه لا يجب استغلال تصريح عمدة الرباط من أجل تحقيق “البوز” أو الركوب على الموجة لرفع “الأدسنس” أو العائدات المالية من اليوتوب، مثلا، من طرف بعض محترفي الكلام الشعبوي، و تعمد الخوض في هذا الموضوع بكلام فاضي يثير البلبلة و ينشر الجهل تحت غطاء التنوير دونما تحليل علمي و منطقي لمشكلة “الموظفين الأشباح”، و دون تعريف و تحديد دقيق لمعنى “الأشباح” من جهة و لمعنى “التشبيح” من جهة أخرى.
1- “الموظفون الأشباح”:
من المعلوم أن التوظيف يعني التكليف بمهمة محددة و توفير فضاء لائق خاص بالموظف مجهز بوسائل العمل، و الأشباح لم يتم توظيفهم أصلا بل فقط تم تسجيلهم في لوائح صناديق الأجور و لا يعرفهم ربما سوى بعض المكلفين بتصريف أو تحويل الأجور، إلى أن كانت الحملة سنة 2013 التي كان لها ما بعدها الى حدود 2015، حيث أجبر بعضهم على الحضور لأول مرة بعد سنين طويلة من تاريخ حصولهم على أول أجرة شهرية، فمنهم و منهن من لم يسبق لهم أو لهن أن وطأت أقدامهم مقر الإدارة العمومية قبل الحملة الأولى، و منهم و منهن من لم يحضر رغم الحملة آنذاك إما نظرا لإقامتهم أو إقامتهن ربما خارج أرض الوطن أو نظرا لتوفرهم أو توفرهن على حماية معارف أو أقارب ربما من ضمن بعض المسؤولين أو شيء من هذا القبيل و الله أعلم.
2- “الموظفون الذين تم تشبيحهم”:
و أما من تم “تشبيحهم”، إن صح التعبير، فهم الذين كانت لهم مشاكل مع إداراتهم فأصبحوا بدون مهمة تتناسب مع كفاءاتهم و لم يعد يستحب حضورهم، فيجبرون، بشتى الطرق، على عدم الحضور إلى أجل غير مسمى تحت ضغط قوة الرؤساء في العمل الذين يستطيعون حرمانهم من أجورهم إن هم أصروا على الحضور أو أقاموا ضجة للحصول على مكتب و مهمة. و أتذكر أن الصحافة الوطنية سبق و أن نشرت منذ سنين حالة موظف عمومي طالب رؤساءه بمنحه مهمة فتمت إحالته على مجلس تأديبي و تم التشطيب عليه من لائحة الموظفين العموميين، كما تحضر حالة القايد، كاتب هذه السطور، الذي رفض أن يكون “موظفا شبحا” ( أنظر مقال: “الموظفون الأشباح: إما أن يكون المواطن مغربيا أو غير مغربي.. فلا منزلة وسطى بين الوطنية والخيانة لكاتبه محمد الطبيب- غشت 2013″، و أيضا العديد من مقالات و بيانات و بلاغات الهيئة الوطنية لحماية المال العام بالمغرب التي كان يرأسها آنذاك الأستاذ المحامي محمد طارق السباعي رحمه الله)، و غالبا ما يكون الموظفون الذين يتم “تشبيحهم” من فاضحي الفساد.
3- أكل السحت:
من العيب على أي مثقف سواء كان كاتبا أو صحفيا أو صاحب مقاولة صحفية معالجة “مشكلة الموظفين الأشباح” فقط عبر شتمهم و رميهم بأكل السحت دونما توضيح و تحديد للمفاهيم، وذلك بطريقة متعمدة لأن كل مثقف يعلم أن في غياب بحث دقيق لكل حالة على حدة و إلمام حقيقي بالموضوع و إحاطة شاملة بالوضع، لا يحق لأحد خلط الأوراق و استغلال فرصة تصريح عمدة الرباط الأستاذة أسماء أغلالو أو الإحتماء بها، للتغول بالكلام الغليظ أو لإقامة حفل “تبوريدة” بكلام شعبوي عبر اليوتوب مثلا.
كما ليس من المنطقي لكل من يعمل في القطاع الخاص و كان إعلاميا المزايدة على الناس بأداء الضرائب، لأن المقاولات الصحفية التي تستغل فضاء اليوتوب لا تؤدي ضرائب تذكر بتاتا، علما أن بعضها يتقاضى أموالا طائلة على حساب الطبقة الفقيرة المهمومة وذلك بإلهائها في بعض الأحيان بكلام شعبوي فوضوي و غير دقيق يهم المصلحة العامة و الحكومة و الدولة. فالمقاولات الصحفية الخاصة التي تستغل اليوتوب لا تؤدي ضرائب على الأموال التي تحصل عليها على حساب الطبقات الشعبية، و بفضلها، و بالتالي أفلا تقترب القضية هنا من “أكل السحت عبر استغلال المغاربة الطيبين”…؟
إذا فالموضوعية مطلوبة و لا يجب إطلاق الكلام على عواهنه دونما دراسة المواضيع المراد التطرق لها. فهل يستوي من كان يعمل في القطاع الخاص و يشيد مصنعا و منشآت و ينتج و يصنع بعرق جبينه أشياء ملموسة يفتخر بها المغرب دولة و شعبا و يؤدي مع ذلك ضرائب بنسب ضخمة على أرباحه، و الذي يؤسس مقاولة من أجل إطلاق مجرد كلام على الهواء عبر اليوتوب و يجني أموالا بلا مشقة و مع ذلك لا يؤدي أية ضريبة على ما يجنيه من أموال سهلة؟ بالطبع لا يستويان…
4- الحلول الممكنة:
لكل مشكل حل. و أما بالنسبة لمن يحققون أرباحا مالية من اليوتوب بإثارة المواضيع السياسية و الإجتماعية و كل ما يهم الوطن الحبيب، و على حساب الوطن الحبيب، من أجل جلب المشاهدين من الطبقات الشعبية، فلابد أن تستفيد الدولة من تلك المداخيل و ذلك بإقرار ضريبة على الأرباح من اليوتوب بنسبة معقولة، و ذلك سيمكن الدولة من تمويل مشاريع لصالح الطبقات الشعبية الفقيرة المستهدفة من طرف بعض المقاولات الصحفية أو بعض اليوتوبر لكسب المال دونما مشقة.
وأما بالنسبة “للموظفين الأشباح”، فلقد كانت الفرصة سانحة إبان المغادرة الطوعية التي أدت مع الأسف إلى مغادرة الكثير من خبراء الإدارة الأكفاء الذين انتقلوا ربما للعمل في القطاع الخاص…ولكن لابأس، فمازال من الإمكان إيجاد طريقة أخرى لمعالجة كل حالة على حدة. فهناك من يستحق التشطيب من لوائح الوظيفة العمومية والأمر يتعلق طبعا ب”الأشباح” حسب التعريف الصحيح، وهناك من يستحق الإنصاف و رد الإعتبار و الأمر يتعلق بمن تم “تشبيحهم” رغما عنهم، وإن تعذر ذلك فسح المجال لهم للمغادرة الطوعية. وتحية عالية للقراء الشرفاء الأعزاء النزهاء.

اترك رد