تدبير الجماعات الترابية من واقع الشأن اليومي إلى التطلع الاستراتيجي

بقلم: محمد الغراس (*)

القوانين التنظيمية تعطي صلاحيات لرؤساء المجالس يجب استعمالها من أجل بناء غد أفضل للجماعات الترابية بالمغرب. أعتقد أن هناك خلط كبير في معتقد الفاعل السياسي المحلي وعموم المواطنين بين دور المنتخب ودور الموظف الجماعي. لهذا تجد العديد من رؤساء الجماعات، خاصة بالعالم القروي، يغرقون في تدبير الشأن اليومي للإدارة ويهملون ما يجب عليهم القيام به من أجل النهوض حقيقة بواقع جماعاتهم. قد يبرر البعض ذلك بنقص الموارد البشرية وضعفها بالإدارات الجماعية. قد يكون هذا صحيحا لكن قيام المنتخب بدور الموظف لا يزيد الأمر إلا سوءا.
على المنتخبين أن يحرصوا على تنزيل توصيات المجالس الجهوية للحسابات من أجل بناء إدارة جماعية قادرة على مواكبة حاجيات الساكنة. علينا أن نكون مبادرين وداعمين لمبادرات الدولة في مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية. بلادنا تعج بالخيرات والطاقات وعلينا استثمارها.
أعود دائما إلى جماعة بنمنصور التي أترأسها لكي أعطي الامثلة. فهذه الجماعة الترابية التي يقال عنها دائما أنها من أغنى جماعات الغرب. وأنا أصحح، هذه الجماعة فعلا بها خيرات فلاحيه كثيرة وضيعات فلاحية ضخمة، لكن عددا كبيرا من أبناء الجماعة ليسوا إلا عمال بها. ومعظم باقي فلاحي بنمنصور هم مزارعين متوسطين أو صغار. لهذا فليست الفلاحة وحدها هي الكفيلة بالنهوض بمستقبل سكان جماعتنا. لهذا فكرت في دعم التجارة والسياحة القروية الايكولوجية. وادي سبو على ضفاف مركز بنمنصور من أروع ما يكون بالمغرب. وهو قابل لاحتضان مطاعم ومخيمات والرياضات المائية وفضاءات للعائلات هم الآن في حاجة كبيرة لها بعدما استخلصنا عبر كوفيد-19. كل هذه المشاريع في احترام تام للبيئة. للاسف فقد أعطينا ضهرنا لكل ما تعج به الاحواض المائية من طاقات وحولنا أنهارنا وبحيراتنا إلى مزابل أو مراتع يتستر فيها الخارجين عن القانون.
كما أنني مقتنع بتغيير فضاء سوق الأحد، أحد أكبر أسواق المغرب. الوضع الحالي هو شبيه بأسواق القرن 19 وهذا غير مقبول في إقليم فيه القطار الفائق السرعة والمنطقة الصناعية الدولية وقريبا ميناء عظيم على المحيط الأطلسي بجماعة المناصرة. نحن كرؤساء مجالس يجب أن تكون لنا رؤية وتطلعات مستقبلية لمواكبة التطورات الكبيرة التي تعرفها بلادنا.
مثل هذه المشاريع التي قلت والتي لاقت تجاوبا كبيرا من طرف المسؤولين والصحافة سوف تأخذ بعض الوقت للإنجاز. لكن المهم هو الفكرة والبداية. وقبل البداية في أي مشروع يجب تأهيل الموارد البشرية المحلية. فقد عملت على تعبئة وحدات متنقلة للتكوين المهني وأعطينا انطلاقة مركز للتدرج المهني مع إحدى جمعيات المجتمع المدني بأولاد امحمد ونحن الآن بصدد إطلاق مركز للتكوين بمركز سوق الأحد.
يقول العديد في المنطقة “واش بقى لينا غير الكورنيش والتكوين”. هناك فعلا العديد من البنيات التحتية الرئيسية التي كان من المفترض أن تنجز قبل 2020 في إطار المخطط الاستراتيجي بجماعة بنمنصور. هذه المسؤولية ملقاة على عاتق من لم يقم بالإنجاز وليس مجلس جماعة بنمنصور. أما فيما يخص برامج المستقبل وتكوين الشباب فقد كان سكان سلا يقولون نفس الشي عن مارينا أبي رقراق وكان سكان الناضور يقولون نفس الكلام عن بحيرة مارشيكا وكان الطنجويون يتوجسون من تهيئة الكورنيش والميناء القديم. انظروا الآن، هذه المدن كلها أصبحت مفخرة للمغرب كله وفرصا عظيمة لخلق ديناميات اقتصادية واجتماعية استفاد منها السكان المحليون بالأساس وخلقت ألاف الفرص لتشغيل الشباب وحفظ كرامتهم وصون مستقبلهم.
وهذا هو المستقبل الذي يجب علينا كرؤساء ومنتخبين العمل على تحقيقه في بلادنا.

(*) وزير سابق وعضو المكتب السياسي للحركة الشعبية

اترك رد