ضرب الأعناق وضرب الرّقاب سيّدي الرّئيس

بقلم: رشيد مصباح (فوزي)

مازالت المحسوبية و”البنعمّيس”، ومازالت الرّشوة هي اللّغة الرّسميّة في الجزائر الجديدة سيّدي الرّئيس.

مازالت الذهنية القديمة لم تتطوّر، وهي المسيطرة. ومازال الموظّف  في الادارة المحلية يعاملنا بنفس الأساليب القديمة يحقر المواطن، رغم أن الناس اليوم ليسوا هم ناس الأمس؛ يعني قبل هذه العولمة وهذا الانفتاح على الخارج الذي تغذّيه وسائل التواصل والمواقع الافتراضية المتنوّعة. فما المانع من أن تجد في استقبالك موظّفا محترما بشوشا يبتسم في وجهك حتى إن لم يقضي لك حاجتك؟ يتساءل المواطن اليوم في الجزائر الجديدة.

كمتقاعد وبحكم تجربتي المتواضعة  أمضيت نصف نصف العمر كموظّف في الادارة الجزائرية، والنصف الآخر في مؤسّسة خاصة، وهو ما سمح لي بمعرفة الفرق بين القطاع العمومي والقطاع الخاص، من ناحية النّوعية في تقديم الخدمات. أغلب الموظّفين لا تهمّهم  نوعية الخدمة رغم تقاضيهم علاوات على ذلك، تدخل في قاعدة حساب العلاوات على المردودية. ولأن المسئول الأعلى منه  لايهمّه كذلك وبالتالي لا يوجد هناك من يحاسب على نوعية الخدمات التي تقدّم للمواطنين، يلغة صريحة و بمعنى أدق  ان المسئول المحلّي في القطاع العمومي لايهمّه المواطن، وهو ما جعل المواطنين يفقدون الثقة ولا يصدّقون كلامهم.

لكن كلمة حق يجب أن تقال: من المفروض أن السياسيين هم من يدافعون عن هذا المواطن الغلبان وليس الموظّف الذي من مهامه  تنفيذ الأوامر الفوقية. وما لاحظناه ومازال ساريا مفعوله في أرض الواقع، هو أن المنتخبين المحليّين يتعاملون مع النّاس في القاعدة بذهنية الموظّف: ماكانش.. مازال ما وصلنا والو من الفوق… ليس لديهم لغة ولا كاريزما. ضاربين بعرض الحائط كل الوعود التي شكّلت مادة دسمة لحملاتهم الانتخابية. المنتخب في هذه الأيام يمضي ساعات ومعظم أوقاته في مكتبه مغلقا على نفسه، وحين يطلب المواطن مقابلته يأتيه الرّفض “النّمطي” من الحارس عون الاستقبال : “راه غايب”. وأحيانا:  “في اجتماع”.

لكن للأمانة فإن المنتخبين يفتقرون إلى الصّلاحيات والإمكانيات التي تسمح لهم بإنجاز الوعود التي قطعوها على أنفسهم أثناء الحملة الانتخابية. وقد قال لي واحد من هؤلاء من الأصدقاء حين لمتُهُ في أحد الأيّام عن سبب عدم اهتمام البلدية بالانارة العمومية المهترئة وقتل الكلاب المتشرّدة التي شكّلت خطرا على المصلّين تمنعهم من أداء صلاة الفجر، فكان ردّه منطقيّا إلى حدّما، وقال لي بالحرف الواحد: “كيف  يمكن القيام بأداء مهامنا ونحن غير قادرين على صرف مليما واحدا “من شبه ميزانية”  إلا بإذن “الخزناجي”؛ و الخزناجي في القانون البلدي هو مجرّد قابض يعمل تحت سلطة رئيس المجلس الشعبي البلدي الذي هو الآمر بالصرف، لكن” الواقع العملي يضع الخزناجي فوق الآمر بالصرف، وبالتالي لم يعد رئيس المجلس الشعبي البلدي رئيسا للبلدية، بل مجرّد موظّف “حقير” ينفّذ ولا يناقش. وهذا ما يتعارض مع طبيعة المهام المخوّلة للمجالس المنتخبة، في بلد مثل الجزائر شعاره “خدمة المواطن”. وهو ما جعل هذا المواطن يتساءل: “اللي ما راهوش  قادر على المسئولية علاه يقبل بها”؟ ومن حق هذا المواطن أن يطرح مثل هذا السؤال لأنه سئم من الوعود الكاذبة. سيّما وهو يرى كيف تحوّل المنتخب من سياسي نزيه يمثّل الشعب، إلى موظّف حقير يتعامل بالرّشوة والمحسوبية والبنعمّيس.

سيّدي الرّئيس، (عبد المجيد تبّون):

حين تآمرت عليك “الأوليغارشية” بسبب “خشونة راسك” لعدم رضوخك لـ مافيا الاستيراد يعلم الله كم كانت قلوبنا جميعا معك، ليس لذاتك الشّخصيّة، ولكن لموقفك الشّجاع. ويشهد الله كم أحزبنا ونحن نرى بعض رموز هذه المافيا ــ الأوليغارشية  يستهدفون بضحكاتهم الاستفزازية رغم حرمة المكان والظّروف التي كنتم فيها. لكن العبرة بالخواتيم. وكما كنّا هناك معك بقلوبنا في مقبرة العالية، فنحن الآن أيضا معك بقلوبنا في حربك المعلنة ضد الدولة العميقة المتغلغلة في الإدارة “المتعفّنة”:

فضرب الأعناق وضرب الرّقاب

 واضرب منهم كل بنان.

ونحن نعلم أنّه ليس من السّهل، ولا من اليسير تغيير الذّهنيات منتهية الصّلاحيات الفاسدة. لكن الحرب الأهم يتمثّل في كيفية استعادة الوعي المفقود؛ فالمواطن لم  يعد يهمّه اليوم سوى نفسه وبطنه، وليذهب الوطن إلى الجحيم. وطننا  في حاجة ماسّة  إلى محارب، وإلى إطارات مخلصة، وجيل جديد بعقلية جديدة وذهنية مغايرة للدهنيات القديمة البائسة؛ كالتي تقدّس “طوطم”العشيرة “شعارها في ذلك: ” حمارنا ولا حصان الغير”. ولا يمكن بأيّ حال من الأحوال الاعتماد على “غاشي” لا يستجيب لمعايير الوطنية: بعض الأفراد فيه يبيع وطنه بشكارة حليب أو سيمد.  لذا أقترح على فخامتكم الأخذ بالنموذج الأمريكي في حربكم المعلنة ضد مافيا المال و النفوذ؛ كما في عشرينيات القرن الماضي..

أضرب بلا شفقة سيدي الرّئيس، ولا تأخذك بهم رأفة ولا رحمة. ما دامت على حق وهم على باطل, اضرب، ولتكن البداية من القاعدة المتعفّنة. واقتلع جذور الفساد من بدايتها؛ فهؤلاء تربّوا في الفساد و لا يمكنهم العيش في بيئة نظيفة.

وفقكم الله وسدّد خطاكم

اترك رد