عصيد والمفاضلة بين الأديان السماوية؟؟ ح 3

بقلم: د. محمد وراضي

إن المفاضلة بين الأديان السماوية، للوصول إلى إصدار أحكام بخصوصها، يستدعي مراعاة ثلاث ملاحظات:

1ـ الاقتناع بكونها جميعها من الله، أو لا مجال لأية محاولة عقلية للتفاضل فيما بينها، أو للمقارنة، مما يعني أن المقارن إما متدين، وإما غير متدين.

2ـ قراءة جيدة للنصوص الدينية من جهة، والوقوف تاريخيا وواقعيا على تعامل المؤمنين معها من جهة ثانية.

3ـ أما الحكم المسبق ببطلان مضامين كتب كافة الديانات، فعمل المقلدين العميان بمقولة ماركس التي سقناها قبل الآن: “الدين أفيون الشعوب”؟ أما عمل الجادين من قراء النصوص وما يتعلق بها من شروح أو تأويلات، فعمل المطلعين اللامعين الباحثين عن الحقيقة، ومن ضمنهم أفكار الفيلسوف الفرنسي فولتير، المجدد الساخر، الرافض للتقليد. وهذا كلامه الذي يؤكد فيه كون الرسائل الإلهية إلى البشرية جمعاء واحدة، لكنها في نظره مشوهة، خاصة منها العهد القديم والعهد الجديد. يقول: “الأخلاق صادرة من الإله، إنها متشابهة في كل مكان. واللاهوت صادر عن البشر، إنه متباين في كل مكان ويستحق السخرية”. والأخلاق هنا تعني السلوكات الفاضلة التي على البشرية برمتها الاتصاف بها. إنها مسمى الفضائل التي هي في مقابل الرذائل.. لكن اللاهوت الذي يرعاه القساوسة يقود إلى استحسان الشر وممارسته. وهذا ما يتضح أكثر في قوله: “امسكوا الإنجيل بيد، وهذه المبادئ باليد الأخرى، وانظروا هل من مبدأ من هذه المبادئ في الإنجيل، ثم احكموا هل المسيحيون الذين يعبدون المسيح، هم على دين المسيح؟ فالمسيح لم يقل قط في الأناجيل: لقد جئت وسأموت كي أجتث المعصية الأصلية. إن أمي بتول، وأن جوهري وجوهر الله واحد، ونحن أقانيم ثلاثة في الله. وأن لي طبيعتين وإرادتين، ولست إلا شخصا واحدا. لست أبا، ولكني والأب شيء واحد. فأنا هو وليس هو، وسيصدر ثالث الثلاثة عن الأب فيما يعتقد اليونانيون. وعن الأب والإبن فيما يعتقد اللاتينيون. كل الكون صائر إلى الهلاك الأبدي، وأمي معه،وولكن أمي أم الله”؟

    إن فولتير إذن لا يطعن في الدين الحقيقي، أي فيما جاء به عيسى عليه السلام، لكنه يطعن فيما أتى به القساوسة من بدع. فكان أن كرر ما ورد في القرآن الكريم بخصوص المآخذ النظرية والعملية على المسيحية. وهذا ما يدل عليه قوله سبحانه: “لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد”. وما يدل عليه قوله “لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم”.

    وهذا النقد الذي وجهه فولتير – كواحد من أهل مكة – للديانة المسيحية، ما قدمنا منه غير القليل، لنقتنع بأن المسيحية مشوهة، فلزم أن تقوم ثورات في وجه مشوهيها الذن ذهبوا إلى حد احتكار تفسير كتاب العهد الجديد، والحديث باسمه، وحرمان أي كان غيرهم من الإقدام على مناقشة آرائهم فيه. مع العلم بأن ضحايا من تحداهم مشوهوه من الفلاسفة والعلماء يقدرون بالملايين، فصح أنهم متخلفون رجعيون أعداء الحريات من كل وجه.

    ولم يقف فولتير عند فضح التشوهات التي ألحقها القساوسة بالعهد الجديد وحملوا الناس حملا على القبول بها، وإنما امتد نقده إلى اليهود واليهودية، بنفس الشراسة والسخرية. يقول: “فلنفحص أولا تاريخ الشعب اليهودي. من جهة ما هو تاريخ، فهو لا يظهر هذا الشعب في وجه براق، فطورا يكتب له الظفر، وحينئذ يصبح شرسا يفتك بالمغلوبين ويبطش بالرجال والنساء والأطفال بنشوة جنونية (وهذا حال الصهاينة الآن مع الفلسطينيين). وطورا يكتب له الخذلان، وحينئذ يستحق الأسى والرثاء، وهو في أغلال العبودية المؤلمة في مصر وآشور وفنيقيا. (حاله في ألمانيا النازية)، ليس هذا الشعب بالشعب العظيم. إنه “وضيع” – “سافل”. كان في البدء مجموعة من قبائل الساميين الرحل. واستقر أخيرا في أرض فقيرة، جافة، قاحلة بالأحرى، وليس في ذلك كله ما يدل على اصطفاء إلهي”؟؟؟

    وماذا عن الترواة؟ يجيب فولتير ساخرا مستغربا: “إذا كان الله هو الذي نزل الترواة. فلا بد أنه شديد الجهل، إنه لا يعرف شيئا عن الفزياء! أو لم يبين أن النور كان أولا، وبعدئذ كانت الشمس”! دون المضي في سرد باقي مآخذ فولتير الظلامية على العهد القديم، مما يفرض علينا شرح ما يعنيه تحريف كل من التوراة والإنجيل من ناحية، وتصحيح ما ورد في محاولات كهنوتية قصد تفسيرهما لغاية تجاوزهما قبل نزول القرآن الذي أثبت بأكثر من دليل تحريفهما بالفعل؟

اترك رد