السلطة الناعمة للإعلام الاجتماعي

بقلم: عبدالرحيم جديان

شهدت وسائل الإعلام الاجتماعي الحديث تنافسا بين مختلف القوى والنخب السياسية والثقافية وذلك لأهمّية هذه الوسائل الإعلامية في صناعة الرأي العام والتأثير في مجريات الأحداث.

فبعد الثورة الرقمية التي شهدها العصر الحديث  ظهر ما يمكن أن نطلق عليه “الإعلام الجديد” الذي أحدث ثورة في عملية الاتصال فنقلها من شكلها التقليدي القائم على احتكار نخبة ما لإنتاج المعلومة نحو تعبير أكثر ديمقراطية في عملية الاتصال والتواصل.

ان عملية الوصول إلى المعلومات والأخبار والبيانات أتاحت الفرصة للمستخدم لإنتاج المضامين والرسائل والبيانات من خلال أشكال تعبيرية مختلفة كالصفحات والحسابات الشخصية وغرف الدردشة والمدوّنات ..وهكذا يصبح مستخدم شبكة الانترنيت يستقبل ويرسل ويتفاعل ويساهم ويشارك في صناعة المعلومة وتبادلها وهو ما يجعل منه طرفا فعالا في العملية التواصلية.

ومنذ مطلع الألفية الثالثة شكلت شبكات التواصل الاجتماعي أحد أهم الوسائط الاجتماعية للتواصل ذات الاستقطاب الجماهيري المفتوح  وباتت صناعة القرارات السياسة والاجتماعية وحتى الاقتصادية تعتمد بشكل كبير على ما يروج عبر هذه الشبكات  لتتحول بالتالي من مجرد وسيط تواصلي افتراضي إلى شبكات معقدة بامتياز عملت على محو الفواصل والحواجز بين الدول والشعوب بشكل غير مسبوق مما جعلها بحق أحد آليات تكريس “العولمة” التي حولت العالم إلى قرية صغيرة خاصة بعد أن انتقلت هذه الشبكات إلى وسيط للإخبار وتداول المعلومة مما جعل الإعلام ينتقل من البعد “المؤسسي” إلى البعد “الشعبي والجماهيري” وتحول من ثم كل مبحر افتراضي في وسائل التواصل الاجتماعي إلى “صحفي وإعلامي” يشارك بشكل أو بآخر في الصناعة الإعلامية نقداً وتحليلاً وإنتاجا للمعلومة واستهلاكا لها في الآن نفسه وتداولها  اذ أنّنا نجد اليوم ” المواطن الإعلامي” يعمد إلى تصوير الأحداث بواسطة جواله ووضع أشرطة الفيديو على الشبكات الاجتماعية، حتى باتت مؤسّسات إعلامية كبرى تأخذ قدرا كبيرا من المعلومات الموجودة على “فيسبوك ” و “التويتر” وعددا من الأشرطة المحمّلة على “اليوتيوب”.

خلال فترة الربيع العربي برزت أدوار وسائل التواصل الاجتماعي  في التأثير على الرأي العام بل والتغيير في مجرى الأحداث وإسقاط أنظمة بكاملها ويمكن القول إن الثورة التونسية ما كان يمكن أن تتطوّر بالشكل الذي وقع لولا تبادل الصور ومقاطع الفيديو للقتلى والجرحى بنيران الشرطة التونسية.

وفي المغرب ظهرت جليا سلطة شبكات التواصل الاجتماعي من خلال موجة الربيع العربي حيث خرجت الجماهير الشعبية في مختلف المناطق من جوف هذه الشبكات التي جعلت الفواصل بين الافتراضي والواقعي مجرد خيط رفيع نسج من إرادة الشعوب ومستوى وعي الجماهير درجة سمكه ومتانته فمنذ المسيرات الأولى بتونس راح مئات الشباب والطلاب المغاربة  يستعملون “فيسبوك” للتعبير عن آرائهم والدعوة إلى النزول إلى الشارع ومطلبهم الوحيد إصلاحات عميقة للدولة والمجتمع.

ويبدي المغاربة اهتماما خاصا بشبكات التواصل الاجتماعي إلى درجة أن المغرب أصبح ضمن العشر الأوائل عالميا من مستعملي “الفيسبوك” و”اليوتوب” وغيرهما خاصة ان معطيات الوكالة الوطنية لتقنين الاتصالات تبرز أن 60 في المائة من السكان المغاربة يستفيدون من الربط بالأنترنيت ذي جودة عالية وهي أعلى نسبة في إفريقيا .

مع ارتفاع استخدام شبكة الانترنيت ذات الجودة العالية ازداد بشكل ملحوظ  دور مواقع التواصل الاجتماعي في النقاش العمومي بالمغرب حيث أضحت تلك المواقع تنقل النقاشات وأيضا الاحتقانات الجماعية وحتى الإشاعات فأضحىت وسائل التواصل الاجتماعي منافسا قويا للأحزاب السياسية في إحدى أهم وظائفها وهي صناعة “رأي عام” مساند أو معارض لفكرة ما أو قرار ما.

وهناك مجموعة من الأحداث البارزة في المغرب التي كان لوسائل التواصل الاجتماعي دور حاسم في صناعة وتوجيه “الرأي العام ” وهنا نستحضر قضية ” المقاطعة الاقتصادية” ففي سابقة في تاريخ المغرب وبسبب الغلاء أطلق نشطاء حملة عبر “فيسبوك” لمقاطعة منتوجات لثلاث شركات تمثل بالنسبة إلى العديد من المغاربة تجلي من تجليات الجمع بين “المال والسلطة” وبسرعة مثيرة  لقي نداء المقاطعة استجابة واسعة في الوقت الذي استهجنها الفاعلون السياسيون الرسميون وصلت إلى درجة أن قدم لحسن الداودي وزير الشؤون العامة استقالته من الحكومة وهي الاستقالة “موقوفة التنفيذ” لحدود الساعة  بعد مشاركته في وقفة احتجاجية دعا إليها مستخدمو شركة الحليب للمطالبة بإنهاء المقاطعة بعد أن فشلت الحكومة والشركات المعنية في محاصرة الحملة .

كما شكلت “منصات التواصل الاجتماعي” أحد أهم وسائل الحشد والتعبئة بين نشطاء “حراك الريف” الذين يطالبون بالتنمية في منطقتهم وكان قادة الحراك قبل توقيفهم يطلقون نداءات عبر منصات التواصل واختاروا توظيف “فيسبوك” لنقل مسيراتهم واحتجاجاتهم  وأصبح قائد الحراك ناصر الزفزافي ألأكثر حضورا وأضحت متابعة تطورات الحراك مباشرة على “فيسبوك” أمرا ميسرا وانتقل الأمر إلى كل المدن التي أصبحت توثق بالمباشر المسيرات الاحتجاجية.

ان شبكات التواصل الاجتماعي قد أحدث تغييرا في موازين القوى بين المواطن والسلطة عبر تقوية فاعلية الفرد في مواجهة السلطة  فأضحى يمتلك أحد الأسلحة التي لطالما تم احتكارها سابقا من طرف السلطة وهو سلاح  المعلومة “من يمتلك المعلومة يمتلك السلطة” أي القدرة على الولوج إلى المعطيات  فمن يملك المعلومة يملك قدرا من السلطة لأنه يكون قادراً على إحداث تأثير معين ففي حين كانت السلطة السياسية للدولة تملك المعلومة وتتحكم في تدفقها وبالتالي تصب في اتجاه تكريس سلطتها وتسويق توجهها أتاحت الشبكات الاجتماعية للأفراد العاديين الوصول إلى المعلومات بشتى أنواعها إلى الدرجة التي لا يمكن للدولة تجاهلها أو التحكم فيها بل أهم من ذلك، جعلت من المواطن العادي مناضلا سياسيا عبر إبداء الرأي في الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

اليوم أصبحت الدولة تواجه باستمرار ضغط من نوع جديد لسلطة “الرأي العام” المدعوم من سلطة العالم الافتراضي وبالتالي أصبح الفرد عبر وسائل التواصل الاجتماعي أداة رقابية وتوجيهية مؤثرة في سياسات وقرارات المؤسسة السياسية وبناء عليه فالسلطة السياسية للدولة في تعاطيها مع هذه الموجة تقوم بنهج مقاربة تستند على خيارين:

الأول : وهو العمل على وقف تدفق المعلومات والمعطيات ومحاولة السيطرة عليها وهذا الخيار لا يعدو كونه محاولة فاشلة لا تقوى على مجابهة الطوفان  فلا يمكن لأي سلطة سياسية الوقوف أمام هذا الكم الهائل من المعلومات والسيطرة عليها.

الثاني : الحضور القوي ” للأجهزة الدولة ” على شبكات التواصل الاجتماعي لتحسين صورتها ولتحويل الأفكار السلبية التي يمكن أن تتشكَّل لدى الرأي العام إلى إيجابية عبر التفاعل معهم بالطريقة المثلى واستثمار كل استراتيجيات التواصل السياسي.

اترك رد