تعدّ الصحافة واجهة لكل الديمقراطيات في العالم، حتى ان العمل السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي لبلد ما لا يمكن تقييمه إلا من خلال السلطة الرابعة التي تقوم بمجموعة من التوجيهات والتصويبات لتقويم الاختلالات بتحليل واقعي يلامس بكل موضوعية قرارات الحكومة ورقابة البرلمان وما إلى ذلك من الديناميات الاجتماعية.
عرفت صحافة بلادنا في الآونة الأخيرة زلزالا تنظيميا وقانونيا اختلف حوله كل الفرقاء، كل حسب موقعه، وخاصة أولئك الذين أسسوا مواقفهم على نوع الكرسي الذي يعتلونه، إما بمنطق حزبي أو بفضل المولاة لتيار نافذ داخل الدولة أو تحت حسابات يطغى عليها الجانب الشخصي، لتظل الصحافة في البداية والنهاية كمهنة أكثر الأطراف ضحية في هذا الصراع.
لقد ولج هذا الشد والجذب مراحل صعبة أفرز واقعا مأساويا أبان عن هشاشة في المنظومة بأجمعها؛ فإذا كانت الصحافة مطوقة بأخلاقيات تُلزمها بتفكيك الواقع قصد الوصول إلى الحقيقة وعرضها على المجتمع كما هي، فإن صحافتنا عاجزة على تنظيم نفسها وغير قادرة على استيعاب النقد الذاتي، لينطبق عليها المثل الشعبي “لو كان الخوخ يداوي كُنْ داوى راسو”.
إن البناء الديمقراطي في بلادنا قد يعكسه وجه صحافتنا المريضة مؤسساتيا، مما جعل الحكومة تُنَصّب نفسها كطبيب المستعجلات وهي تتدخل في الجسم الصحافي المعتل والمترهل والنحيف، عبر مشروع قانون زاد من تعميق جراح الصحافة، حيث قسمها إلى موافق ومعارض.
لقد كان لزاما على المهنيين الالتزام بالمادة 54 من قانون المجلس الوطني للصحافة، بعيدا عن المؤثرات الخارجية وضمانا لاستقلالية المؤسسة الصحافية، خدمة للمصداقية التي يفترض أن تناضل الصحافة من أجلها أمام الرأي العام؛ لكن أمام هذا الوضع المتشنج وغير المسبوق، جاء موقف الفدرالية المغربية للإعلام أكثر حكمة في معالجة المشهد الصحافي والاختلالات التي يسبح فيها، وذلك باعتماد لغة الحوار، كآلية للخروج من الأزمة.
إن الفدرالية المغربية للإعلام في بيانها الأخير اعتمدت فلسفة حكيمة في مجابهة الأمر، حيث لم تتخندق مع طرف ضد آخر، بل على العكس من ذلك، كان صوت الحكمة يعلو على نبرتها وهي تخاطب كل الفرقاء والمهنيين وصناع الإعلام في بلادنا.
إن اعتماد مثل هكذا مقاربات تصب في واقع الأمر في السيرورة التي تنهجها البلاد تنزيلا للديمقراطية الحقة التي تمنح الفرصة لكل الأصوات ضمن مقاربة تشاركية تُجسد بكل واقعية مضامين وفلسفة النموذج التنموي الجديد.