صحفي استثنائي..

بقلم: يونس فنيش
لم يغادر الوطن. لم يلجأ إلى الهجرة خارج الوطن للإحتماء من أجل الدفاع عن نفسه في إطار قضيته أو من أجل انتقام ما. وأما عن أخطائه، الإنسانية، فلقد اعترف بها على الملأ قائلا بأنه ليس نفس الشخص بعد قضاء مدة سجنية في قضية معروفة (…)، شئنا ذلك أم أبينا، لأنه خبر الجو السياسي والإجتماعي السائد الذي لا يمكن تجاوزه في الوطن الحبيب، فانتهى إلى احترام إرادة المجتمع والشعب بكل أدب وموضوعية.

انتقد الأستاذ فوزي لقجع ثم شكره، فالتقطنا تناقضه، ولكن المنتخب الوطني لكرة القدم نال شرف الدخول إلى المربع الذهبي في ظل تسيير الأستاذ فوزي لقجع. دافع بشراسة عن وضعية بعض الصحفيين المتابعين في حالة اعتقال، رغم هول التهم المسجلة رسميا ضدهم، ورأينا كيف ترافع عنهم قانونيا بطريقة مبهرة في حوارات ومناظرات ساخنة وانتصر، حيث أن محاوريه ومنهم حقوقيين ومحاميين لم يستطيعوا مجاراة ملاحظاته القانونية الدقيقة أمام المتتعبين.

هذا صحفي له تجربة طويلة وغنية جدا في الحياة وسط الشعب والمجتمع، ثم في ميدان الصحافة رغم سنه الذي لا يتجاوز الأربعين إلا بقليل. صحفي يحب مهنة الصحافة حتى النخاع، ولكنه فطن أن لا يمكنه الإستمرار فيها دون موارد مالية معقولة، فلجأ إلى اليوتوب لضرب عصفورين بحجرة واحدة وهو الضليع في اصطياد الطيور في طفولته، حتى يتمكن من تمويل جريدته الإلكترونية الفتية التي توفر الشغل لعدد من المساعدين والصحفيين بفضل مجهوداته واستماتته في إدارة مقاولة صحفية مستقلة. فقلنا أنه شعبوي. وقلنا أنه ينتقي مواضيعه، و قال بعضهم أن همه فقط الإرتقاء اجتماعيا. ولكن كل ما قلناه وما قيل ربما لا يأخذ بعين الإعتبار بصفة شاملة الإكراهات الموضوعية التي واجهها أو يواجهها هذا الصحفي المناضل الذي يحتاج لأمثاله الوطن.

نعم، يوجد اليوم بيننا في الوطن الحبيب صحفي مناضل وطني يدافع بشراسة عن المصالح العليا للوطن، وفي نفس الوقت يطرح آراءه و تحليلاته التي قد تبلغ من النقد، في بعض الأحيان، درجة قصوى نسبيا و دونما تعميم، ودون مس بالحدود المرسومة من طرف المجتمع والشعب والدولة، والمتفق عليها في البلد الحبيب منذ إثنا عشر قرنا، حدود تتجسد فقط في شعار وطننا الجميل؛ وربما صحفيين آخرين طبعا…
إنه صحفي استثنائي بلغ من التجربة رغم صغر سنه نسبيا، إضافة إلى موهبته في الترافع الشفوي ببراعة، ما يكفي لمباشرة المواضيع الأكثر صعوبة بطريقة سليمة و في احترام تام للناس؛ إنه شمعة لا يجب أن ينطفئ نورها.
سيداتي سادتي، أيها القراء الشرفاء الأعزاء، لن أذكر إسم هذا الصحفي المناضل لأنني وصفته بالاستثنائي، بعد تتبع على مدى وقت ليس بالوجيز، حيث تم اختبار درجة موضوعيته الإنسانية، بتواضع مواطن بسيط، وكذلك درجة تعففه وصبره، ودرجة صموده أمام الإستفزاز الأدبي، ولقد اجتاز كل الاختبارات بنجاح وتفوق كعضو من مجتمع البلد الحبيب يتصف بمواصفات إنسانية تميزه، وتميز أغلبية أفراد مجتمعنا الجميل، فلا شك أنكم علمتم من هو.
سيداتي سادتي، أساتذتي، أيها القراء الشرفاء الأعزاء، إنه يحتاج ربما إلى مساندة وتشجيع وطمأنة، رغم وطنيته الصلبة، لأنه مجرد إنسان، حتى يستمر في مهمته التنويرية، حسب قدراته العلمية والنفسية، وحتى يستمر في الرفع من مستوى حرية التعبير دون تجاوز ما هو متعارف عليه وطنيا، طبعا، والوطن هو المهم و الأهم، الوطن حيث ينتصر دائما الحق في آخر المطاف بفضل صفات المجتمع الرفيعة، حكاما ومحكومين، المتجلية في الرحمة والتسامح والصلح والمصالحة دونما فوات أوان.
بطبيعة الحال يمكن القيام بتحليل علمي مستفيض وموضوعي إلى أقصى حد لأداء هذا الصحفي الإستثنائي الذي جاد به المجتمع، لأنه نتاجه ومنه وإليه، واستخلاص كل ما له وكل ما عليه، ولكن الخلاصة واضحة وهي أنه صحفي مناضل نحن في أمس الحاجة لأمثاله في زمننا هذا الذي يعد بمستقبل أفضل إن شاء الله. وتحية عالية للقراء الشرفاء الأعزاء.

اترك رد