الحرية الصادمة …!!!

بقلم: نور الدين ودي

تنتابني لحظات تأمل ، لبعض الأفراد الفاعلة والمؤثرة في الحقل الإسلامي ، وما تعتريه من أفكار صادمة ، في فقه الدعوة أو فقه التكاليف الشرعية ، ومدى تمسكه بفرضها على المرء ، ومَبلَغ ولاء هذا المرء وبَرَائه والثناء عليه ، ومُنتهى نفوره وانتقاده ، والسخرية من جحوده واعتراضه واباحته وسخطه ، وتجده كالفارس دون كيشوت يحارب في فضاء فضفاض واسع وسراب شاسع ، ولا ريب أن مناقشة القضايا الدينية هي صحوة صحية وسليمة ، والتمكين لها في إطار سُنَّة التدافع ، والحفاظ والتشبث بالهوية المرجعية ، لكن هناك مغالطات ينبغي تِبيانها ، وعدم المشاحنة فيها ، إذ البلاد والعباد على عمومها مسلمة محافظة ، قد تختلف الهوة وتتسع بين ملتزم ومتدبدب وتارك وجاحد وناكر ، وهذا راجع للحريات الشخصية والفردية ، لكن هناك تعاقد مشروط في الحريات العامة أو الجماعية ، وهي ما تفصله الشرائع من حقوق مدنية ، وحقوق سياسية ؛ أهمها حرية الرأي والتعبير والتفكير بجميع أشكاله ، وكذا حرية الإعتقاد والتدين ، في إطار المبادئ العامة لحقوق الإنسان ، لصيانة الحريات ، وضمان مصداقيتها والنهوض بالدور المنوط بها ، لممارسة هذه الحريات في نطاق المسؤولية واحترام الرأي الآخر ، وهذا ثابت ومنسجم مع الإغتراف من المعدن الصافي والحقيقي لهذا الدين وإثباتاته ؛ من كلام الله وأقوال نبيه ﷺ حامل شريعته ، وتبقى التكاليف الدينية والأحكام الشرعية مُلزمة للمسلم المُذعِن ، ويتحمل مسؤوليتها الفرد في الإلتزام بالفعل أو الترك أو الإجتناب ، والأولى على كل ناصح أمين ؛ أن يقيم دولة الإسلام في قلبه وأحكامها في بيته وشرائعها في محيطه ، وقد يستعصي ذلك عليه أحيانا مع أقربائه وأولاده ، والواقع شاهد على ذلك ، إذ “لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ” ، وليس مشروطا أن يلزم غيره بتطبيق أحكام آلله ، بل يكفيه التوجيه والإرشاد والنصح ، ويبتعد كل البعد على السب والشتم والقذف ، والطعن في مخالفيه ؛ ابتداءاً من حرية الإعتقاد ؛ إذ لا إكراه في الدّين ، بل لا إكراه في الكفر ، والحقيقة الغائبة هو تمييز النفاق بين الإيمان والكفر ، والذي هو أخطر من الكفر ،
وهو مالا تنسجم أقواله وأفعاله البارزة مع ما يبطن في اعتقاده في السر ، وقد تضر المجتمع ، وواقعة عبدالله ابن أبي ابن سلول رأس المنافقين ، لما أرادَ الصحابة أن يأذنَ لهم رسولُ اللهِ ﷺ في قتلِه ؛ فرفض قائلا : ” لا يتحدث الناس أن محمدًا يَقتُل أصحابَه” وليت هذا البُعد النبوي يكون حاضرا في تفكيرنا ، وفي طريقة تعاطينا مع الأحداث التي تموج بها بلادنا ، وهناك بُعدٌ آخر ، وهو أن وقوع فرد في خطأ ما ، ليس مبررًا الهجوم عليه وعقوبته ، وليس من خطأ أشنع من النفاق ، إن البعض درج على مقالة مغلوطة وهي : “ما دمتُ على حقٍ أو ما دام خصمي قد أخطأ فلا أبالي بالنتائج ! ” ،
أما ما يخفيه ويستره غير المنافق أي العاصي ، إذ الأجدر أن لا يحاسب على مخالفاته الشرعية ، مثل العلاقات الخاصة الحميمية ، فهو محصن ببيته ، ومحمي بستر الله عليه ، ما بين توبة وعفو ، ويمنع منعا باتا تتبع عوراته في البيوت والأماكن المغلقة ، ويكفي قول النبيﷺ “من اطلع في بيتٍ بغير إذنٍ ، ففقئوا عينه فلا دية ولا قصاص” ، وإنما يحاسب فقط بالمجاهرة والبوح والإعتراف ، إذ قال نبي الرحمة ﷺ : ” كل أمتي معافى إلا المجاهرين ، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله ، فيقول : يا فلان عملت البارحة كذا وكذا ، وقد بات يستره ربه ، ويصبح يكشف ستر الله عنه ” وليس على مرتكبيها جناح في المتابعة والقضاء والتشهير ، لأنها تدخل في الحرية الشخصية، ويبنى على البراءة الأصلية ، وهناك نصوص شرعية كثيرة تغدو في هذا المنحى ، نطرحها في قضايا أخرى بإذن آلله

اترك رد